قراءة في مقال : Dynamique des valeurs communautaires traditionnelles دينامية القيم في الجماعات التقليدية حسن رشيق hasan rachik
Dynamique des valeurs communautaires traditionnelles
( حسن رشيق hasan rachik ) دينامية القيم في الجماعات
التقليدية
في هذا المقال بشكل عام والمعنون ب"
دينامية القيم في الجماعات التقليدية " يبتدأ فيه الأنتربولوجي
المغربي "حسن رشيق" من دراسة
نقدية لمفهوم التقليد، بمعنى الخضوع غير العقلاني لسلطة الماضي، وذلك في تحليله
للديناميات المختلفة لقيم الجماعات التقليدية، والتي ترتبط بتفكك البنيات
التقليدية وتدعيم استقلالية الأفراد، وقد قام بتحليل عمليات ملموسة من خلال إظهار
كيف أن الجهات الفاعلة، التي اضطرت في ما مضى إلى احترام المعايير التقليدية أصبحت
موضع تساؤل، وهذا ما سنحاول التطرق إليه بشكل مفصل.
افتتح "حسن رشيق" مقاله بأن هناك مجموعة من التقاليد الثابتة، والتي
نستمدها من الأجيال السابقة وننقلها إلى الأجيال اللاحقة عن طريق التنشئة الاجتماعية،
كما وضح أن استسلام للتقاليد هو بمثابة احترام للأجيال السابقة وهي في نفس الوقت
خضوع لسلطة الماضي، بحيث أن هذه التقاليد هي التي تنظم المجتمع وتسيره و أن أساس
شرعية التقاليد تنبني من خلال "سلطة الأمس الأبدية" حسب ما جاء به "ماكس
فيبر" والذي يتقاطع معه "حسن رشيق" حيث اعتبر(فيبر) أن هناك تعزيز
أو ترسيخ للعادات عند الإنسان وضرورة احترامها، بهذا نحن أمام جهاز مفاهيمي أساسي:
سلطة الماضي: L’autorité
du passé
سلطة الأمس الأبدية l’autorité de «l’éternel hier »(weber,1959) :
نقل Transmission :
إرث: Héritage
كما وضح "حسن رشيق" أن التقاليد يجب أن تحترم لدى الفرد داخل
المجتمع، وأن أي خروج عن هذه القواعد سوف يتعرض لعواقب تحددها الجماعة الاجتماعية
نفسها، كذلك فهناك تطبيق للقانون المحلي يحيل إلى شيء ضروري يتعلق بسلطة الماضي، ووجود
هذه السلطة مرتبط بميكانيزمات تجديد التقاليد الجماعية، فمثلا »الجماعة« لها شكلين من العقوبات، الأول يتعلق أن
الأسرة مثلا عليها أن تتقيد بشروط وقواعد »الجماعة« داخل المجتمع، وأن أي مخالفة وخروج عن هذه
القواعد فستكون هناك عقوبة تتمثل أساسا في الجانب النفسي الرمزي (الاستهزاء بتلك
العائلة مثلا)، أما الشكل الثاني فيهم البنيات الاجتماعية والسياسية مثلا(
الإدارة، الدولة، حزب سياسي، هيئة ما...) إذا تم اختراق قاعدة ما من قواعدها المشروطة
فستكون العقوبات محددة.
المعيار الثاني الذي يبينه "حسن رشيق" يتعلق بطبيعة ميدان النشاط
التقليدي، فالتقاليد التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالأنشطة الجماعية لها حظ كبير أن
تحترم، فمثلا عدم الاحتفال بالزفاف لن يكون له نتائج مباشرة على إعادة إنتاج
المجموعة، لكن ليس كما هو الحال بالنسبة للتنظيف الجماعي الذي يعتبر بمثابة نشاط
رئيسي للاقتصاد المحلي، أما المعيار الثالث فيسمح بتصنيف التقاليد حسب مصلحة أو
منفعة الناس فيها، أي ترتيبها وفق دورها وقيمتها داخل المجتمع والتي من خلالها
يكون التماسك الاجتماعي للجماعة، وبالعودة للمثال السابق فإن الساقي يشارك في
التنظيف الجماعي وذلك لثلاثة أسباب:
احترام تراث الأجداد؛ احترام القانون المحلي؛ المنفعة في سقي حقله، وبالرغم
من هذه الأسباب يشير "رشيق" إلى أن هناك بعض العناصر العاجزين
والمراوغين الذين لا يشاركون في هذا النشاط الجماعي وفي نفس الوقت يستفيدون منه،
إن هذا التصنيف البسيط حسب "رشيق" يسمح بتحليل الديناميات المختلفة لقيم
الجماعات التقليدية، وتجنب تقليص التقليد في الخضوع غير العقلاني للماضي، ولكن
اعتباره كحالة محددة، فحتى في مجال الطقوس غالبا ما يرتبط بمفاهيم التكرار والروتين
فالعلاقة إذن بالماضي لا تقتصر في الامتثالية المطلقة له، ولهذا لا ينبغي اعتبار
التقاليد هي دائما غير عقلانية.
يضيف "حسن رشيق" إلى كون القيم هي أولويات جماعية، فهي تشير إلى
طرق الوجود والتصرف والتفكير، بحيث أن مجموعة من الأشخاص أو الجماعات الاجتماعية هم
من يعتبرونها مثالية، فالتضامن والشرف والطاعة هي أمثلة لقيم تقليدية، فالأمثلة
التي تعطى لقيم على حساب أخرى هي معيارية (متوافق عليه من طرف المجتمع)، ولكن ليس
لما يريد أشخاص أن يعطوه أولوية ولكن " لما يجب أن يكون في الأولوية "،
أي قيمة وأهمية تلك القيم هي من تجعلها في المقدمة وليس اختيار عشوائي للجماعة، بمعنى
هناك تفضيل قيم على أخرى، كما أن تفضيل الجبل على التل لا يرتبط بضرورة معيارية بل
هو فقط ذوق، من جهة أخرى فالقيم لديها وظائف عملية، فهي توجه وتبرهن وتشرعن
الأفعال الاجتماعية، ومع ذلك يذكر "رشيق" إلى أن القيم ما هي إلا عنصر
في التحفيز الاجتماعي، كما أنه لا يمكن إقصاء الأشخاص الذين تحفزوا عن طريق
المصلحة المالية أو السياسية، أو آخرون الذين يبرهنون على استحضار مسبق لقيمة على حساب
قيمة أخرى، ومن هنا فالخضوع للقيم حسبه ليس بمثابة عبودية للتقاليد المثالية
المنفصلة عن العالم الملموس، وعن عالم المنفعة والمنافسة الاجتماعية.
اعتبر"حسن رشيق" أن تحليل دينامية القيم التقليدية لا يؤدي إلى
التناوب في الاستمرارية (الديمومة، المقاومة) أو القطيعة، فما بين الاستمرارية
والقطيعة أشكال من التغيير يمكن استخراجها وفحصها، بحيث أن هناك قيم لا يمكن
ملاحظتها بشكل مباشر، فهي يعبر عنها عبر سلوكات لفظية(كلامية وغير كلامية)،
والاستدلال بها يتأسس على ما يقال أو يفعل، أي على الفعل أو القول مثلا؛ " على
الأشخاص في القرية أن يتعاونوا " ليست بقيمة ذات معنى محدد ولكنها تظهر الارتباط بقيمة التضامن القروي،
كما خلص"رشيق" إلى أن مجالات ملاحظة هذه القيم التقليدية واسعة ومختلفة
يمكن استخراجها انطلاقا من اعترافات الأشخاص(الاستمارة، المقابلة) ومن الأدب الشفهي(حكايات،
أساطير، أمثال)، أو كتابي: طقس، الخطابات السياسية أو القصائد الدينية أو الكتب
المدرسية وغيرها.
AXE1 : Dynamique de valeurs et désagrégation des structures
communautaires
في
هذا المحور يرى "رشيق" على أن تفكك بنيات الجماعات، يؤثر على القيم التقليدية
فالأسس الاجتماعية والثقافية لهذه البنيات هي في نزاع بشكل متزايد، وقدم كمثال مبدأ
"الإجماع" الذي تتأسس عليه المجتمعات التقليدية، حيث كان موضوع صراع اجتماعي
حدث عام1985 داخل قبيلة من الأطلس المتوسط(Aït Arfa de Guigou)، بخصوص مشروع يهم التنمية الرعوية، وترتبط قضية
هذا النزاع بالقرار الذي اتخذته الإدارة العامة (وزارة الداخلية والفلاحة) وأصحاب الحقوق
(أولئك الذين لهم الحق في استغلال المحاصيل الزراعية التي تنتمي إلى القبيلة. ).
كما يعتبر "رشيق" أنه اعتمادا على الموقف
المهيمن، فإن أي عضو من القبيلة هو صاحب الحق، ويعتبر الشخص عضوا في القبيلة عندما
تكون أسلافه عاشت في القبيلة أو من الذين دافعوا عن المنطقة القبلية خلال فترة ما قبل
الاستعمار، (قبل حوالي عام 1911)، وبالإضافة إلى السكان الأصليين(asliyine) والشيوخ، هناك الأجانب (barrani)، أحفاد المهاجرين من القبائل المجاورة بعد الاستعمار،
ووفقاً للقانون المحلي، فإن رؤساء الأسر المعيشية المنتمين إلى الفئتين الأوليتين،
فقط هم الذين لهم الحق في استغلال أراضي الرعي وغيرها من السلع المشتركة، لهذا فالتمييز في الأساس كان سياسياً بمعنى أنه تم استبعادهم(الأجانب)
من ملكية وإدارة المصالح العامة (المسجد، وقنوات الري) وليس من استغلالها.
يؤكد "رشيق" على أن
المنافسة المفتوحة والصعبة بين السكان الأصليين والأجانب، أدت إلى نتيجة حتمية ألا
وهي استفادة الأجانب من وثيقة رسمية تسمح لهم باستخدام المحاصيل الزراعية مباشرة
دون انتظار السخاء التقليدي للقبيلة، كما يشير إلى أن أفراد القبيلة لا يقاومون التغيير
لكنهم يفضلون الحفاظ على الهوية القبلية التقليدية، كونها
حسب "رشيق" تناسبهم"؛ ويضيف أنه في الماضي كان على شخص أجنبي أن يكتفي
بما أعطاه مضيفه وأن يعبر باستمرار عن امتنانه مع العلم إلى أن قبول الأجنبي كان في
كثير من الأحيان نتيجة لأدعية طقسية، هذا وقد بين "رشيق" كيف أن الإدارة
العامة ساهمت في التأثير على توازن القوى لصالح الأجانب فبمجرد وجود المسؤولين وممثلي
الإدارة المركزية، استغل الأجانب الفرصة لتحرير أنفسهم من التمييز القبلي، حيث أصروا
بإلحاح أمام وفود المسؤولين بأنهم مغاربة ومواطنين.
كما اعتبر الباحث أن الأجانب الذين
يخفضون من قيمة مفاهيم القبيلة، والذين يصفونها بأنها قديمة واستعمارية إنهم يطالبون
كمواطنين بأن يتمتعوا كجميع المغاربة بنفس الحقوق، بغض النظر عن أصولهم القبلية
بهذا فالأجانب يتبنون مفاهيم حديثة وعلى العكس من ذلك، يرفض أعضاء القبيلة الإشارة
إلى المواطنة لعدم ارتباطها بمصالحهم التي تبررها الإشارة إلى الماضي القبلي.
وبهذا يخلص "رشيق" إلى أن ظهور
المنافسة والصراع بين القيم (المحلية) التقليدية وبين القيم (العالمية) الحديثة،
سيؤدى إلى إمكانية كسر مبدأ "الإجماع" وتحدي القيم القبلية، بحيث ستدافع
كل مجموعة اجتماعية عن مصالحها من خلال الإشادة بمصادر مختلفة للشرعية، كما ستكون الإشارة
إلى الماضي مرجعية فقط.
AXE2 :
Autonomie de l’individu et ébranlement des valeurs communautaires
في هذا المحور يرى "حسن رشيق"
على أن المجتمعات التقليدية التي يكون فيها تقسيم العمل ضعيفا، الفرد يكون فيها خاضعا
دائما للجماعة، وزيادة استقلاليته تابع لحداثة المجتمعات ولتقدير هذه الاستقلالية،
تطرق لدراسة البنيات التقليدية الاقتصادية والأسرية:
بدأ "رشيق" بمؤسسة تقليدية والتي تعد رمزا لقيم التضامن
الاجتماعي(تيويزي) وهي مؤسسة تشير إلى عدة أنواع من العلاقات القائمة على المساواة
والسلطة، وما ترتبط به بمفهوم التعاون الجماعي، فهي تتعلق بالمجتمع كله، وقدم هنا
نموذج « had
ssayem » حيث أن كل فرد في هذه المنطقة وهو بالغ عمر"الصيام" عليه أن يشارك
في الأعمال الجماعية، كما أن هذه المؤسسة يمكن أن تهم أشغال شريحة واحدة لجماعة
تقليدية ما، وخصوصا الأشغال الفلاحية التي تستدعي يد عاملة كثيرة، ففي فترة الحصاد
على سبيل المثال، أعالي القرية يشركون جهودهم ليحصدوا لجماعة معينة وتواليا جميع
حقول الأهالي المعنية، وهذا بمثابة نوع من المساعدة المتبادلة والذي يدعو فورا إلى
العمل في إطار جماعة، غير أن "رشيق" يرى على أن هذا العمل التضامني التي
تتميز به هذه المؤسسة أضحى مجرد ذكرى، ومن هنا يتساءل عن كيفية تفسير اختفاء
هذه المؤسسة، بالرغم من أن لدى أرباب الأسر مصلحة مشتركة واضحة في الحفاظ عليها؟
يجيب "رشيق"
على هذا السؤال من خلال نموذج قرى الأطلس الكبير، فالتغيير فيها يتعلق أولا
بالسياق الاقتصادي، حيث استبعدت المساعدة المتبادلة في العمل التطوعي تدريجيا
بأشكال جديدة من العمل المأجور، ومن هنا يضيف حقيقة أن المساعدة المتبادلة مؤسسة
على علاقات التضامن بين أرباب الأسر، غير أنها غير متكافئة بين هؤلاء وأبنائهم
الذين يتحملون فعليا عبء العمل الجماعي، فأغلبية الأبناء يرفضون العمل بالمجان في
حين يحبذون بيع قوتهم في العمل أي العمل مقابل أجر وغالبا بعيدا عن الدوار، كما أن
هؤلاء الشباب يعاتبون أبآءهم الذين كانوا يشتغلون مقابل مصلحة الجماعة فقط، في حين
أن الآباء يعتبرون الوضعية بأنها مأساوية، حيث يرون أنه من غير المعتاد جلب يد
عاملة مأجورة، في حين أن أبناؤهم سيشتغلون لحسابهم.
كما يشير"رشيق"
على أن اندثار ظاهرة (تويزي)، لا يعني اختفاء التضامن الاجتماعي كقيمة لكن عدم
ملائمة هذا الشكل من التضامن الجماعي للشروط الجديدة للعمل، بحيث أن السياق
الاقتصادي الجديد يجعل العمل التطوعي غير مرغوبا فيه، خصوصا من قبل الشباب، من هنا
فالحفاظ على القيم لا يكمن في الخضوع للماضي الممثل من قبل الآباء وأرباب الأسر،
فالقيم تعتمد على السياق الاجتماعي وملائمتها له.
كما
استحضر"رشيق" مؤسسة أخرى وهي(la mniha) المشابهة
( لتويزي) والتي تربط بين الغني والفقير، والمعروفة عند السكان الرحل في شرق وجنوب
المغرب، بحيث أن الروابط تتحدد في هذه المؤسسة
بين الرحل والسكان المحليين من خلال الإحسان إليهم، كتقديم المساهمة في نقل
الخيام وبعض النعاج، وكذلك الصوف لتجديد بعض الأجزاء التالفة من الخيمة، كما يوضح "رشيق"
إلى أن كبير الرحل الذي يمتلك عدد أكبر من الجمال، يمكنه أن يتخذ زبناء محليين
ويؤسس علاقات معهم، عن طريق إعارتهم جملين أو ثلاث حسب حاجتهم، كما أنه يتحمل رعاية
بعض المحليين المحتاجين باسم الإحسان، لكن بمجرد أن يشتري شاحنة يتخلص منهم على
الفور كون المصلحة انتهت.
وقد
خلص "رشيق" في هذا الصدد إلى أن العلاقات الاجتماعية لم تعد مبنية على
الإحسان أكثر من اعتمادها على الخدمة المدفوعة، ولم يعد أي شيء مجانا، فالتنقل مثلا
لحوالي خمسين كلم يجب توفير 350 إلى 400 درهم، بهذا فالحفاظ على مثل هذه العلاقات
لم يعد ممكنا ولا مربحا بعد اعتماد وسائل نقل آلية بدل الجمال، وبالتالي فإن المفاهيم
المتعلقة بالإحسان (منيحة، صدقة) قد اختفت لمصلحة المفاهيم التي تقتضي المبادلة
والتعويض (مقابل، الخلاص)، بحيث أن هذه القيم
التقليدية حسب "رشيق" تعتمد بشكل منتظم على العلاقات الشخصية المبنية
على "المال" وذلك لأن هذا
الأخير يسمح في التعامل بشكل فردي مع الشباب الذين يرفضون العمل في المحاصيل
الزراعية.
يضيف "رشيق" إلى أن هذا "المال"
هو الآن في قلب العقود التقليدية التي كانت تعرف في الماضي فقط بالأجور العينية، فمثلا
كان العقد مع الراعي سنويًا، وكانت جميع أجوره عينية (الملابس والسكر والشاي...)،
لكن حاليا يتم جمع الراتب شهريا وبالكامل نقدا، ويسمح للراعي بمغادرة العمل كلما
ظهرت فرص عمل أخرى، ويفسر هذا حسب "رشيق" حقيقة أن مهنة الراعي كانت الملاذ
الأخير لمن لا عمل له ومن هو مهمش، كما أن في السنوات الأخيرة أصبح العثور على
شباب قرويين يقبلون هذا النوع من العمل مهمة شبه مستحيلة.
يؤكد "حسن
رشيق" على أن استقلالية الفرد وحريته أصبح واضحا من الناحية الاقتصادية ومن
ناحية اختيار الزوج(ة)، هذا بالرغم أن الزواج نظرياً، في المجتمعات التقليدية يتم
ترتيبه من قبل الوالدين، وفي هذا الصدد خلص مسح وطني حديث عن القيم أشار إليه
" حسن رشيق" في هذا السياق والذي يوضح على أن75 ٪ من سكان القرى يختارون
أن يستقل الإبن في اختياره للزوجة و60٪ بالنسبة للفتاة، كما خلص إلى أن الأسرة
الممتدة أصبحت أقل قيمة في المناطق القروية إذ أن نصف سكان القرى مقارنة مع 61 ٪
من سكان المناطق الحضرية لا يودون السكن مع والديهم، لكن رغم هذا يرى
"رشيق" على أن الشباب لا زالوا متشبتين بسلسلة من القيم القديمة
المرتبطة "بالرضا للوالدين" (rdha) أو"المسافة المحترمة" (tiqar)،
كما أنهم يتبنون قيم جديدة مرتبطة بالاستقلال والملكية الفردية وحميمية الزوجين( لكي
لا يسمع أحد، أو يعرف ماذا نفعل، وما نشتريه، وماذا نأكل...).
AXE3 : Légitimation
يناقش "حسن رشيق" في
هذا المحور مسألة أن قيم الجماعات التقليدية هي قضية تتجاوز حدودها المعتادة، فقد
وجد الفاعلون السياسيون والمثقفون في بعض القيم التقليدية مصدراً "للشرعية"،
هذا وكان هدف النخبة القومية منذ ثلاثينيات القرن العشرين هو خلق مجتمع متجانس
ثقافيا،ً حيث يجب على جميع المغاربة أن يتقاسموا القيم المشتركة، فالقيم التقليدية
المرتبطة بالخصوصيات المحلية تعتبر عقبة أمام إنشاء أمة متجانسة ثقافيا، ومع ذلك فإن
القوميين قد قيموا مؤسسة "جماعة" وقدموها كرمز للديمقراطية المحلية، "كعلال
الفاسي"، كما قام "المهدي بن بركة" بربط "الجماعة"
بالديمقراطية، وقد رأى آخرون في "الجماعة" رمزًا للاشتراكية، وفي عام
1956 أي بعد استقلال المغرب مباشرة خطط حزب الاستقلال لإنشاء جماعة قروية منتخبة.
إن مؤسسة "الجماعة" حسب "رشيق" لا تزال حتى الآن مكانًا عامًا تقليديًا يشارك فيها رؤساء
الأسر في الاجتماعات، لكن لا يشارك فيها الأجانب الذين يعيشون في القرية،
"فجماعة" لا تعني بالضرورة المساواة، لكن يمكن أن ترتبط بإدارة أكثر أو
ديمقراطية أقل، بل يمكن أن تكون فيها سلطة استبدادية، ومع ذلك، فالجهات الفاعلة
السياسية التي تشارك في أعمال التنمية القروية ركزت فقط على الجانب الديمقراطي، كما
أن الذين انتهكوا الامتثالية لهذه المؤسسات التقليدية فمازالوا يرون على أن هذه
المؤسسة لها قيمتها كأداة لتعبئة الجماعات القروية في تحقيق مشاريع التنمية (مياه
الشرب، والكهرباء، ومحو الأمية...)، بهذا يجب التخلي عن القيم التمييزية والامتثال
لمعايير وقيم الديمقراطيات الحديثة، وفي الأخير يبين "رشيق" كيف أن الوطنيون
سعوا لإعطاء شرعية للمؤسسات الديمقراطية الجديدة (البرلمان...) من خلال ربطها
بالقيم التقليدية كما أن بالنسبة لنشطاء المجتمع المدني، لم تعد سلطة الماضي
كافية، وما يهم بالأساس هو سلطة القيم الديمقراطية، والامتثال للحاضر أكثر من الماضي.
AXE4 : Devenir des valeurs communautaires
في هذا المحور يطرح "حسن رشيق" إشكالية تهم توقعات ومستقبل قيم
الجماعات التقليدية ومن هنا يشير إلى ثلاثة سيناريوهات:
1. لن يتم الحفاظ على القيم الجماعاتية التقليدية إلا من قبل المجتمعات
المهمشة، والتي لا تزال تمتلك سلعاً مشتركة تقليدية لإدارتها(المسجد، المحاصيل
الزراعية...).
2. هناك اختفاء لبنيات وقيم المجتمع، وأحيانا هذا يؤدي إلى انهيار السلع المشتركة
بسرعة وإلى ترك المؤسسات المجتمعية والقيم التي ألهمتها، فالتضامن الجماعي مثلا سيختفي
بعد أن تندثر الممارسات التي أعطت شكله (الري، والمهرجانات الجماعية، والحج،
والموسم...)، بالإضافة إلى أن الضيافة والتضامن والأخوة وغيرها من القيم سوف تفقد.
3. حتى بالنسبة للجماعات التقليدية التي ستحظى بفرصة الحفاظ على أصولها
الجماعية، فالقيم الجماعاتية ستتغير فيها كذلك، بسبب عدم ملاءمتها للسياقات السياسية
والاقتصادية الجديدة فالسياق السياسي يجعل من الصعب الحفاظ على التماسك التقليدي
القائم على التمييز الاجتماعي (بين الأجانب والسكان الأصليين، الشباب والبالغين،
الرجال والنساء...)، ومن أجل بقاء هذه الأصول الجماعية، سيكون على المجتمعات بناء
روابط اجتماعية قائمة على قيم ومؤسسات جديدة (جمعية بدلاً من الجماعة)، وبالإضافة
إلى ذلك، فإن السياق الاجتماعي والاقتصادي سيبرز أو يعمق الفجوة بين إرادة
الاستقلال الذاتي للأفراد والقيم التقليدية القائمة على الأشكال القديمة للتضامن
الاجتماعي أو الأسري.
كذلك يعتبر "رشيق" على أنه من الصعب التنبؤ بالعواقب الاجتماعية
المترتبة عن تفكك البنيات التقليدية وظهور الاستقلال الذاتي بشكل عام، لكن يمكن
توقع التوتر والصراع والانحراف من قبل سلطة المجموعة أو العائلة، كما أن مشاريع
الشباب القروي ستكون أكثر فردية فعلى سبيل المثال، الهجرة القروية للشباب، كما أن في
الآونة الأخيرة أصبحت الفتيات مشروعًا فرديًا بشكل متزايد وليس مشروعًا عائليًا.
ويضيف " حسن رشيق" على أن السيناريو الذي سيكون له أكبر فرصة
لفرض نفسه في المستقبل هو أن القيم المجتمعية القديمة سوف تجد في السلع الجماعية
الجديدة (مياه الشرب، الكهرباء، المستوصفات، المدارس...) التي أدخلتها السلطات
العامة والمنظمات الدولية والجمعيات وأصحاب المصلحة، نفسًا ثانيًا أو جديدا، كما
أنه لن يتم إدارة هذه السلع الجماعية الجديدة من قبل الدولة بل من قبل المجتمعات
نفسها، غير أن إدارة هذه السلع تتطلب مهارات لا يمتلكها الأعيان المتعلمون
القديمون، ولضمان إدارة شفافة، سيكون على أصحاب المصلحة (السلطات العامة، المنظمات
الدولية..) تشكيل جمعية قصد إدارتها بشكل نزيه، من هنا فالسياق المستقبلي لقيم الجماعات
التقليدية سوف يهيمن عليه دخول السلع الجماعية الحديثة.
كما أنه على مستوى الجهات الفاعلة والبنيات الاجتماعية فسيكون هناك تغيير ملحوظ،
فالنقاش الذي أثير حول فكرة المجتمع المدني مقترناً بعودة الشباب المتعلمين، مما
يفضي إلى ظهور قادة جدد وهم الشباب الذين سيتولون إدارة هذه الجمعيات المحلية،
بالإضافة إلى أن الأعيان السابقون سيضطرون إلى الاعتماد على اختصاص هؤلاء الشباب (
في تكوين الجمعيات وكتابة التقارير وحفظ الحسابات والحفاظ على المعدات التقنية
الجماعية...)، وبذلك ستعزز طبيعة السلع الجماعية والترتيبات المؤسسة المصاحبة لها،
كما أن هذا التقسيم الجديد للعمل سيزيد من قوة الشباب المتعلم، بالإضافة إلى أن
هذه القيادة لن تكون حكرا على"القديم"، وبالتالي سوف ينتج عن هذا إلى إنشاء
بنيات جديدة يهيمن عليها الشباب والذين سيؤسسون لأسس جديدة لمفهوم السلطة(المعرفة
التقنية والقانونية...) وسينشرون لقيم جديدة والتي تشير إلى المواطنة والديمقراطية
والتنمية والبيئة وغيرها.
كما يتوقع "رشيق" إلى أنه سوف يتم التفكير في طبيعة استمرارية العلاقة
بين القيم التقليدية والقيم الحديثة مستقبلا بشكل أقل، وسيتم التركيز بشكل أكبر على عدم التوافق بينها، ولكي تكتسب هذه
القيم صفة "الشرعية" يجب أن تتوافق القيم المحلية مع التي تعتبر عالمية
مثل(المساواة بين الجنسين، وعدم التمييز بين المواطنين والأجانب...)، كما سيكون
وصول الأجانب إلى الجمعيات، والنساء إلى مناصب المسؤولية مسألة كبيرة بالنسبة
للقادة القرويين الشباب.
في الأخير فالسياق القروي الذي سيهيمن عليه القادة الشباب والذين يعملون في
إطار عمل جماعي في إدارة السلع الجماعية الحديثة، سيسمح محتوى قيم هذا المجتمع بتخفيض
الإنفاق العام وزيادة وضمان الشفافية... وسيكون أقل اعتمادًا على إعادة التفسير
والتوافق مع الماضي ولكن بشكل متزايد على خطاب براغماتي وعالمي، فعلى سبيل المثال سيتم
اعتماد النهج القائم على التوافق المجتمعي ومدى ملائمة هذه القيم للسياق الاجتماعي
والاقتصادي السائد داخل المجتمع وليس في الامتثالية المطلقة لسلطة الماضي.
تعليقات
إرسال تعليق