Sociologie de l’education قراءة في كتاب "سوسيولوجيا المدرسة " للمؤلف محمد الشرقاوي
سوسيولوجيا المدرسة
فاطمة الزهراء المتاقي
صدر عن Que
sais-je ? سنة 2010، كتاب بعنوان " Sociologie de
l’éducation" للمؤلف محمدالشرقاوي ؛ وهو باحث مغربي متخصص في علم الاجتماع. وجاء هذا العمل في حجم 128 صفحة. هذا الكتاب هو في الأصل دراسة ميدانية أنجزها حول Presses
Universitaires de France.
استند المؤلف في الفصل الاول : التربية
و التغير الاجتماعي على إبراز مسألة التغيير في المؤسسة التعليمية بإلحاح عند الأزمات
السياسية الحادة. فكل من يأتي بعد ثورة ما يجد ضرورة في هذا التغيير، رغبة
منه في بناء مجتمع يساير معتقداته و تطلعاته على أنقاض المجتمع السابق. و من هنا يبرز توجهان: الانسجام و التمركز:
فالأول يقول بضرورة وجود انسجام بين
المؤسسة التعليمية و باقي المؤسسات و المكونات الاجتماعية. أما الثاني فيرى أن المدرسة هي المركز
الرئيسي للتربية و التكوين العلمي و الإيديولوجي للناشئة. وهناك مبرر آخر يتمثل في الدور الذي تلعبه
المدرسة في المجتمعات التي تعرف تحولا، من اقتصاد تقليدي إلى آخر عصري يعتمد على
تكنولوجيا متطورة و بحث علمي متقدم، بحيث تصبح أداة مركزية في إستراتجية هذا
التحول.
اما فيما يتعلق بالبحث في العلاقة بين التربية و السياسة فهي
من الأمور الحديثة التي ترجع إلى ستينيات القرن العشرين، و إذا كان ارتباطهما جلي
فمنحى التأثير يبقى غامضا وعصيا على الفهم. ففي المجتمعات المعاصرة يظهر تأثير السياسي
على التربوي بشكل بديهي من خلال سيطرة
الدولة على الموارد المالية و البشرية. والمدرسة باعتبارها أداة للإدماج السياسي فهي
قادرة على تلقين الفرد قدرات و كفايات و مواقف تجاه النظام السياسي.
وفي علاقتها بالسياسة نجد المنظومة
التربوية المعقلنة و المنهجية قادرة على إنتاج أفراد مبرمجين بإمكانهم التصرف
انطلاقا مما تم تلقينهم ، وهذا الطرح تتبناه على الخصوص المجموعات الإشتراكية
الشمولية. و هناك طرح آخر يتمثل في محدودية دور المدرسة بالنظر إلى
الموقع الذي تحتله في مجتمعاتنا ، ونسبية استقلالية الأفراد ومقاومتهم لكل تغيير.والإيديولوجيات الشمولية من أهدافها المعلنة
خلق إنسان جديد لمجتمع جديد، ولهذا فهو في حاجة إلى مدرسة جديدة.
ويمكن إدراج الحالة النازية من خلال بعض
مراجع « Baumler أو Krieck”حيث تتأسس بيداغوجيتها على المبدأ العرقي للأمة الألمانية. ويتحدد الهدف من التعليم في تكوين أفراد
بعقيدة عسكرية نازية، ومن هنا يتضح لماذا كانت المدرسة تأتي في المستوى الثاني
بأجهزة الحزب. فقد كانت مهمة سرايا الحزب النازي تتمثل في دمج جميع
الطبقات الاجتماعية للأمة الألمانية في مجتمع سياسي متجانس و ردم الهوة التي توجد
بين النخبة و الشعب. فالسرية بصفتها مجال للتكوين الشبه عسكري تعد كذالك مركز
التكوين المدني.
من جهة أخرى هناك من يرى أن التربية
المدرسية تساهم في الاندماج السياسي، فالنظام التربوي المتمركز في يد الدولة يساهم
في تعزيز الهوية الوطنية خصوصا في المناطق ذات التنوع العرقي و الديني و الإثني.
و من أجل تحديث المجتمع و الانتقال به من
الصفة التقليدية إلى أخرى ديمقراطية يجب فتح حوار بين القيادة و الشعب هذا الحوار
لا يتأتى إلا عن طريق معرفة المواطن لمجموعة من الأسس و العناصر التي لا تتوافق و
حالة الأمية ، وهو ما جاء به منظرو الثورة الفرنسية الذين يعتبرون ورثة فلسفة عصر
الأنوار.
وتعد الأمية من العوامل المؤثرة على
التطور الاقتصادي و الاجتماعي للدول، و الملاحظ أن الدول الأقل تطورا هي التي بها
نسب عليا من الأمية. كما أن لها تأثير على السياسة و الثقافة، فالمجتمعات
التي تعتمد على ما هو شفهي نادرا ما يتم فيها نقل و تلقين المعارف فكل التقاليد و
الأفكار و المنجزات و الاختراعات تمر بالضرورة شفهيا مما يجعلها معرضة للنسيان أو
للتحريف. و حسب فلاسفة مثل “jaeger-” أو”cassirer” فإن الحضارات التي عرفت الكتابة كانت هي السباقة
للانتقال من الخرافة إلى العقل و المنطق.
و يِؤكد ماكس فيبر على أن التنظيم الإداري
يقوم على الكتابة التي تصب في منحى لا شخصنة العلاقات. و تاريخيا نلاحظ أن هناك علاقة بين الكتابة و
تطور الإدارة في الحضارات: السومارية و المصرية و الصينية.
ومن هنا فالكتابة تشكل مصدرا للتقسيم او
التنضيد الاجتماعي و للامساواة في توزيع الثروات و السلطة. وعلى الرغم من سهولة
النحكم في الكتابة. فانه منبع للتماييز الاجتماعي كما هو الامر في المجتمعات
المعاصرة.
اما الفصل
الثاني : تناول فيه علاقة المدرسة
بالديمغرافيا :واعتبر ان سوسيولوجيا التربية تواجه العديد من المشكلات يمكن
ترتيبها حسب الاهمية :
اولا :
انتشار الانظمة التعليمية : وذلك بسبب :
§
الوسائل الاقتصادية و البشرية .
§
اسئلة التنظيم الاجتماعي التي تضع الدولة و
المجتمع المدني امامها.
§
التساؤلات النظرية التي تحتاج الى مزيد من
عناصر الاجابة ، على الرغم من النتائج الملموسة التي انتهت اليها الابحاث في
السوسيولوجيا و الاقتصاد و التاريخ
يتميز هذا الانتشار بكونيته ، فجميع
البلدان تشهد تغيرا غير مسبوق لديمغرافيا المدرسية .مهما كانت طبيعة النظام السياسي
السائد،او درجة النمو الاقتصادي،او البنيات الاجتماعية .
و لتوضيح هذا
الامر قام الباحث بعرض بعض المعطيات المرتبطة بالساكنة المدرسية لمختلف الدول حسب
احصائيات اليونيسكو.
·
السلك الابتدائي : وصل نمو التعداد المدرسي في البلدان
المتطورة الى قيمته النهائية في نهاية 60 ، في حين انه يتضاعف كل عشرين سنة في
البلدان السائرة في طريق النمو :
سنة
1980،وقياسا الى سنة1950 ، تضاعف عدد المسجلين في الابتدائي ب 4,6؛بمعنى ان عدد
التلاميذ في هذا المسلك هو اكثر ب 460 مرة حسب القارة .
يلاحظ الباحث
ان في افريقيا ثم المرور من مايناهز 8500000 تلميذ الى 64600000 و بالتالي هذه
الساكنة يتضاعف كل عشر سنوات .
لقد تضاعف
هذا الانتشار في افريقيا ب 6,9 وفي امريكا ب 4,2 وفي اسيا ب 3,4. اما في البلدان
كفرنسا و الولايات المتحدة الامريكية فان نسبة التمدرس بلغت 100% منذ عقدين. وفي
بلدان العالم الثالث فان المعدل الخام للتمدرس بما العلاقة بين المتمدرسين فعليا
تبعا للسن المحدد للتعليم الاولي يمر من 10 او 20 % و احيانا الى 70 % حسب البلدان
.
·
السلك الثانوي و العالي : في سنة 1980 و مقارنة ب 1950 ، فان عدد
المسجلين في الثانوي ضرب ب 20 مرة في افريقيا، و ب 9,65 مرة في امريكا اللاتينية،
و ب 6,13 في اسيا. وفي افريقيا تضاعف كل ست سنوات، في امريكا الشمالية ، فقد تم
بلوغ عتبة الاشباع في بداية السبعينيات.اما في اوربا الدفعة تميل الى الانطفاء .
من هذا المنطلق يتساءل الباحث ، ما اذا
كان انتشار الانظمة التعليمية هذا يتبع قانونا واحدا، او ان قوانينه تتغير حسب
البلدان، و المجموعات السياسية و الجماعات الاقتصادية ؟
ويقول انه عندما يتم الحسم في مسالة وحدة
قانون االانتشار او تعدده،فذلك سيواجه فرضيات اكثر وجاهة لتفسير هل هو قانون ام
قوانين . ويؤكد ان الانتشار العالمي يكذب الفرضية القائلة انه ليس نتيجة للخصائص
البنيوية للبلدان ، و انما هو تسرع بلا معنى.
ü نمودجان وصفيان :
يعتبر الباحث ان اعداد المتمدرسين خاضع
لاكراه وجب اخذه بعين الاعتبار مهما كان النموذج الوصفي الذي تم اختياره. لان
الساكنة القابلة للتمدرس ليست لا نهائية ،
و بالتالي فالنموذج ينبغي ان ياخذ بعين الاعتبار وجود سقف او عتبة للاشباع.
لوصف انتشار
الانظمة التعليمية هناك نموذجان هما التزايدي واللوجيستي :
·
النمودج التزايدي : يعكس تطورا حسب المراحل الاتية :
في بداية المرحلة المدروسة ، فان تطور
التمدرس يكون بطيئا جدا، ومن سنة الى
اخرى، نلاحظ وجود تراكم هو الذي سيشكل بداية للسنة المواليةوتستمر الصيرورة بهذا
الشكل. هذا النموذج ينطبق عادة في حالتين مختلفتين كليا .انه يصف تطور التعليم
الابتدائي لعدد كبير من بلدان العالم الثالث بدا من 1950 وتطور التعليم العالي
للبلدان المتقدمة و بلدان العالم الثالث.
ان هذا
النموذج يتيح نظرة ارتجاعية شبه كاملة لتطور القوامات . لكن من الخطورة استعماله
من اجل توقع حالات مستقبلية لهاته الانظمة بسبب اكراهات داخلية تقودها الى
الانخفاض التدريجي ز
·
اما النموذج اللوجيستي: فهو اكثر تعقيدا ، انه يترجم انتشار التعليم
الابتدائي و الثانوي لاغلبية البلدان المتطورة بالاضافة الى الي بعض بلدان العالم
الثالث التي بلغت عتبة الاشباع: تزايد بطيئ في البداية متبوع بتسارع كبير ، يقتضي
تزايد الانتشار في نهاية المرحلة.
ان هذا
النموذج ياخذ بعين الاعتبار المسافة التي تفصل بين المستوى الذي تم بلوغه في
العتبة وبين نقطة انطلاق التطور.
ü الدورات الديمغرافية و الدورات المدرسية:
حسب هذه النظرية يمكن تفسير انتشار
الانظمة التعليمية من خلال متغيرات ديمغرافية صرفة. فارتفاع التعددات المدرسية
ينتج عن زيادة كونية للساكنة.فتضخم التعددات المدرسية والجامعية في البلدان
المتقدمة يمكن ان يفسر بالارتفاع الديمغرافي .من خلال مايسمى بطفرة المواليد
.
ففي البلدان المتقدمة هناك انكماش في
الاتجاه المئوي للخصوبة.اما في بلدان العالم الثالث فالتزايد السكاني يجد تفسيره
في انخفاض الوفيات.فقبل سنوات 50 كانت نسبة الولادات مرتفعة الي شبه توتزن مع
ارتفاع نسبة الوفيات .
و بالتالي هذه البلدان وجدت نفسها في مرحلة
انتقال ديمغرافي سبق ان شهدتها البلدان المتقدمة اقتصاديا .وهذا الانتقال تمييز
بمايلي :
-
المرحلة الاولى: فان التزياد الديمغرافي كان نتيجة لانخفاض
الوفيات.
-
المرحلة الثانية :تكمن اهمية العامل الديمغرافي هنا في تطور
التعددات ، من خلال فحص تطور نسبة التمدرس ، أي علاقة الساكنة المتمدرسة حسب مستوى
دراسي معين بالساكنة الاجمالية و التي يكون فيها توزيع السن مميزا للمستوى الدراسي
المعني.
وبالتالي اذا اردنا فحص عميق للعلاقات
المركبة بين مجموعة المتغيرات ، فانه لابد الاخذ بعين الاعتبار الدورات الاقتصادية
التي تحكم التطورات الديمغرافية و المدرسية، واظهار التفاعل بينها و السببية
الدائرية التي تربطها.
ü بنية الدولة و التغيرات التربوية :
يعتبر الباحث محمد الشرقاوي ان التربية
بمتابة ميكانيزم او الية تساهم بشكل فعال في الاندماج الوطني .هذا ما تؤكده بعض
نظريات التحديث ان مشاركة المواطن سياسيا تتطلب حد ادنى من التربية.
يفترض الباحث
في هذا الصدد : ان التعدادات المدرسية في البلدان التابعة ، ترتفع بشكل اقل من
ارتفاعها في البلدان المستقلة. يعتبر ان تزايد سلطة الدولة يساهم في انتشار
الانظمة التعليمية. وانها حين تتحكم في التربية.فانها تقلص من استقلالية النظام
المدرسي.
يستحضر
الباحث بعض مؤشرات خصائص الانظمة السوسيوسياسية :
·
تاريخ الاستقلال بالنسبة للبلدان المستعمرة .
·
وجود حزب وحيد او تعددية حزبية.
·
الانتخابات
·
بعض الاجراءات الاقتصاد مركزة بيد الدولة .
·
بعض علامات التحديث.
على غرار التفسير الاقتصادي ، هناك خصائص
بنوية للدولة لا تؤثر لا على انتشار و لا على تطور التعدادات المدرسية.ويؤكد
الباحث ذلك من خلال نسب التزايد الديمغرافي المدرسي للبلدان التابعة تبقى تقريبا
متشابهة مهما كان تاريخ استقلالها السياسي.
يعتبر ان تغير التعددات بدا منذ 1950
بالنسبة للابتدائي ثم خمس سنوات بعد ذلك بالنسبة للاعدادي والعالي.وبالتالي هناك
اختلاف بين نسب تمدرس البلدان في 1950.
لكن هذا لا
يعني حسب الباحث ان البلدان التي حقق استقلالها او التي عرفت ارتفاع نسب التمدرس
فيها قياسا الى البقية .
و يخلص الى
ان تاريخ الاستقلال لا اثر له على قيمة نسب التمدرس التي ثن بلوغها بين 1950 و
1980.
الفصل الثالث : التربية و التنمية و سوق الشغل :
إن دراسة العلاقة بين التربية و الإقتصاد كان من ورائها ظهور طرحان :
v
الطرح الأول: في الإقتصاديات المعاصرة حيث يرتبط المستوى التعليمي ايجابا مع الدخل
v
الطرح الثاني: أنه منذ بداية القرن العشرين لوحظ أن الإنتاج لم يعد يتطلب تعبئة نفس الرأسمال.
مستوى التعليم و الدخل :
تتدخل العديد من المتغيرات لتحديد الدخل ( الجنس، السن، الطبقة الإجتماعية…)، لكن الملاحظ هو أنه باستثناء السن يبقى المستوى التعليمي هو المحدد الرئيسي للأجرة.
المبيان يمثل
العلاقة بين السن و المستوى التعليمي ( انظر المبيان،ص32).
من خلال
قراءة هذا المبيان يستخرج الباحث ثلاثة ملاحظات اساسية تتمثل فيمايلي:
1- تزداد الأجرة مع تقدم السن إلى حين الوصول إلى أجر أقصى ثم تبدأ في الإنخفاض مهما يكن المستوى التعليمي.
2- حينما يرتفع المستوى التعليمي يصاحبه ارتفاع في الأجرة، و يكون هذا الإرتفاع سريعا خلال الأطوار الأولى من الحياة المهنية مقارنة مع الأطوار المتأخرة.
3- ارتفاع المستوى التعليمي يؤجل السن الموافق للراتب الأعلى.
و يفسر الملاحظة الأولى : أن التقدم في السن يدل على اكتساب تجربة عملية و معارف داخل العمل. و كون الدخل ينخفض بعد سن معين قد يشير إلى تراجع التجربة مع التقدم أكثر في السن. و الملاحظ عموما أن الأجر يتزايد مع السن وفق معدل تناقصي مما يفسر تحدب المنحنى.
اما الملاحظتين الأخيرتين مرتبطتين بمردودية التربية.ويفترض إذا كان الأجر يرتفع حسب المستوى التعليمي في بداية المسار المهني فإن السبب قد يكون مرتبط بسياسات التشغيل. و أما الإرتفاع السريع للأجرة بالنسبة لأصحاب المستوى التعليمي المرتفع فهو راجع إلى كونهم يحسنون استعمال مؤهلاتهم. و فيما يتعلق بتأخر مرحلة انخفاض الدخل فيعزى إلى كونهم يحافظون على مواقع تجنبهم تقييما محتملا لكفاءتهم.
وقد تؤول هذه الظواهر كذلك بأن الشهادة هي مؤشر مميز للفرد أكثر من أنها تدل على المؤهلات المكتسبة. فالشهادة تلعب هنا دور مصفاة لانتقاء الأجراء.
المحور الثاني: التنشئة الاجتماعية والانتقاء
في البداية يحاول المؤلف تصدي لاصل مفهوم التنشئة
الاجتماعية ،ويعتبر ان اول من استعمل هذا المفهوم لاول مرة، السوسيولوجي الألماني
جورج زيمل في نهاية القرن 19، إلا أن عالم الاجتماع الفرنسي إميل دوركايم أعاد
إحياء هذا المفهوم حيث يقول إنه في المجتمعات المعاصرة إذا كانت المدرسة لها أهمية
كبيرة في نقل الثقافة والفروقات الاجتماعية، فبسبب ضمور المؤسسات التقليدية كالدين
والأسرة.
حسب دوركايم فالتنشئة الاجتماعية هي عامل
للاندماج المجتمعي بامتياز خصوصا بالمجتمعات العصرية. و جعل الفرد اجتماعيا يعني تلقينه منظومة من
الأفكار، و المعتقدات، و التقاليد، و القيم الأخلاقية، مهنية أو طبقية . منها ما هو ثابت و منها ما يمكن أن يتغير حسب
المكتسبات الجديدة و الوضعيات المعاشة.
ü المدرسة توحد و تفرق:
الانتقاء أو الاندماج الاجتماعي هما وجهان
لحقيقة واحدة. فكل مؤسسة هي للانتقاء و أداة للتوحيد . فالاسرة مثالا تتميز بالعلاقات الحميمة و
بتآزر وانسجام ثقافي لمعايير القيم المشتركة بين أفرادها فهي موحدة، وفي نفس الوقت
تمارس دور الإنتقاء بناء إما على الجنس أو الصحة … و المدرسة بصفتها “وسط أخلاقي منظم milieu moral organisé” حسب دوركايم، فهي تحدد هوية التلميذ عبرتلقين مجموعة من
الأفكار و السلوكات و القيم في إطار جماعي و بدون اسثتناء رغبة في تحويل الفرد و
أنظمة تفكيره، بحيث تتحول معها مواقفه. و ينبني هذا الموقف على نظرة ترى أن من مهام
المدرسة خلق التنظيم أو المساهمة مع مؤسسات أخرى لخلق هذا الأخير. و تعتقد أن المرء سلبي ويمكن تشكيله.
و العديد من المتخصصين في العلوم
الاجتماعية، و السياسية يرون أن القيم غير مرتبطة بإرادة معينة ، و التوافق
الاجتماعي ممكن بسببها. و بالنسبة لآخرين فهو مفروض من طرف مجموعات
الضغط. و هناك جواب آخر لدوركايم يحاول من خلاله تجاوز الطرحين
السابقين، حيث أن التنظيم و إن لم يكن مرغوبا فيه عمدا من لدن أي شخص، فكل واحد
يساهم في إقامته.
يلاحظ
الباحث أن هناك علاقة بين التنشئة الاجتماعية والبنية الاجتماعية. وانطلاقا من هذه
العلاقة يلاحظ أن هناك تشابه كبير بين التنشئة الاجتماعية العائلية والمدرسية من جهة.
ومن جهة أخرى هناك علاقة عضوية بين التنشئتين الأخيرتين ونمو المجتمع الرأسمالي .
والمدرسة أيضا أداة للتقسيم ؛ فتقييم المعارف
و المهارات بطرق نقول عنها موضوعية تدفعنا إلى خلق تراتبية بين الإفراد. فهي تأكد على اختلاف قدراتهم، و كلما شجعت
الثقافة المدرسية الإنتقاء و الامتحانات و آليات التفييئ إلا و تقلصت سلطة تماسك
القيم المتوافق بشأنها.
ü
المعرفة المدرسية :
المعرفة
المدرسية على أساس أنها ميكانيزم للضبط وسيرورة تساعد على الإندماج الاجتماعي
والفكري إلى جانب أنها حلبة للصراع بين المجموعات.ويعطي الباحث في هذا الصدد مثالا
: ان هناك تواز غريب بين التغيرات السياسية و التوجهات العلمية و الأدبية في
الطور الثانوي بفرنسا، حيث من المعروف أن الثقافة المدرسية قبيل الثورة تقريبا
كانت متمركزة على الأدب و انطلاقا من منتصف القرن 18 بدأت أصوات الموسوعيين في استعمال المؤسسة
المدرسية كأداة لتأهيل المجتمع، ومن تم قطع الثوار مع ذلك الماضي و أعطوا الأهمية
للعلوم الطبيعية.
وخلال القرن 19 كانت الأوضاع السياسية هي المتحكمة في طبيعة
المعرفة المدرسية، فالتخصصات العلمية مثلا كانت تتأرجح بين احتلال مواقع متقدمة
خلال حكم الليبراليين وبين التراجع أو حتى الإختفاء من المعارف المدرسية مع
المحافظين. لكن المعرفة المدرسية تلعب دورا محددا في تكوين العقليات
فالثقافة المدرسية ذات المضامين المتكاملة مثلا تستلزم نظرة شمولية.
ü محددات النجاح المدرسي
يمكن القول
ان جل الدراسات استخلصت أن النجاح الدراسي يتناسب ايجابا مع مستوى الوضع الاجتماعي
لأسرة التلميذ، هذا المستوى يتم قياسه بالنظر إلى مهنة الأب و مستواه الثقافي أو
شواهده ودخله. ومن جهة أخرى يقاس النجاح الدراسي من خلال معدل
الامتحانات، والمرور من مستوى إلى آخر،و كذلك من خلا المدة التي قضاها التلميذ في السلك التعليمي أو
عدد المرات التي كرر فيها في مساره الدراسي.
توصلت بعض
الدراسات العالمية التي اجريت على 12 بلدا ما بين 1964 و 1965 . الى استنتاج اساسي
ان النجاح المدرسي يتمثل في نقطة تتراوح بين 0 و 70 و هي مجموع النقط المحصل عليها في سلسلة من
الاختبارات الرياضية. توزيع النجاح الدراسي حسب الطبقة الاجتماعية في بريطانيا.
ü المتغيرات الاجتماعية و المتغيرات المدرسية:
في هذا السياق وانطلاقا مما سبق يحاول الباحث التأكد من
أن الطبقة الاجتماعية هي المحددة للنجاح أو الفشل الدراسي.وذلك انطلاقا من هاته المتغيرات المدرسية “النجاح الدراسي حسب الطبقة الاجتماعية و
الشعبة”
وتم التوصل
الى أن هذه المتغيرات المدرسية تساهم في تحديد النجاح أو الفشل الدراسي و هو ما
توصلت له دراسة مقارنة لمجموعة من الأنظمة التعليمية، باستثناء النظام الأمريكي
حيث يلاحظ من خلال أعمال James Coleman أن الطبقة الاجتماعية هي الأكثر تأثيرا من باقي
المتغيرات المدرسية. ويبقى من المهم معرفة لماذا هذه المتغيرات المدرسية لها
كل هذا التأثير؟
للاجابة عن
هذا السؤال استحضر الباحث المفاهيم التالية :( الانتقاء و الانتقاء الذاتي و الانتقاء
المفرط) حيث اعطت جزء الجواب عن هذا السؤال، بالإضافة إلى فرضية
تأثير وضوح آليات الانتقاء. فكلما كانت الشبكات المدرسية شفافة كلما كانت
شروط الانتقاء واضحة وبالتالي ازدادت حضوض تلاميذ الطبقات الضعيفة. حيث أن المعرفة الواضحة و السريعة لمبادئ
اشتغال النظام المدرسي يمكن مستعمليه من ترشيد إمكاناتهم و وضع استراتيجيات مربحة
في الجهد و المال. وقد تدخل متغيرات أخرى مثل: السن، الجنس، الإقامة، التركيبة الاجتماعية
للوسط المدرسي .
ü الإنتقاء الذاتي :
و هو عندما
يأخذ التلميذ أو أسرته قرارات لا تأخذ التفوق الدراسي بعين الاعتبار تخص الخروج
نهائيا من المنظومة التعليمية أو التوجه إلى شعبة أقل تميزا مما يستحق.
الباحث حاول
توضيح بعض العوامل المرتبطة بالأسرة والمدرسة كمايلي:
عدد التلاميذ
الملتحقين بالثانوية حسب العمر ومستوى التمدرس :
· ومستوى التمدرس عندما يرتفع العمر تنخفظ معه نسبة
الإلتحاق بالثانوية.
· بعمر معين تنخفظ نسبة الإلتحاق بالثانوي بتقهقر المستوى
الدراسي.
· هذه النتائج تترجم ببساطة نتائج سيرورات الإنتقاء
المدرسي.
عدد التلاميذ الملتحقين بالثانوية حسب الاصل الاجتماعي :
·
نلاحظ أن مستوى النجاح والعمر
متساويين، التلاميذ القادمون من أوساط فقيرة
لديهم حظوظ أقل من نظرائهم القادمين من الطبقات الميسورة للإلتحاق بالثانوي
وأن أطفال العمال لديهم فرص ضئيلة للوصول إلى الثانوي، بمعنى لديهم حظوظ اقل بثلاث
مرات بالمقارنة مع أبناء الطبقات المهن الحرة.
وهناك
نظريتين لشرح هذا المفهوم :
الأولى تتعلق بالاستباقية اللا واعية للفشل
المستقبلي و من أبرز ممثليها نجد P.Bourdeu ، فأنا أتجنب الفشل أو الإقصاء المدرسي لأنني أستبق بدون
وعي العراقيل التي قد تواجهني أو تواجه من شابهني في المدرسة.
الثانية تركز على القرارات المعقلنة حسب
المعطيات المتوفرة و حسب فرص النجاح.
ü الإنتقائية المفرطة :
و هي حزمة من الآليات التي تمارس من خلالها
مجموعة من الأفراد انتقائية مفرطة اتجاه مجموعة أخرى تكون مشتركة في خاصية أو
خاصيات متعددة، لكن مختلفة عن الأولى . وتتم هذه العملية عندما لا نخضع الأفراد لنفس
درجة الصرامة في الانتقاء .
و الملاحظ أنه في المراحل الموالية لهذه
الانتقائية، تصبح فوارق النجاح بين تلاميذ نفس الشعبة ( الناتجة عن الطبقية الاجتماعية ) جد ضعيفة إلى منعدمة . ولا يمكن تفسير ذلك إلا من خلال مسار
الانتقاء الصارم الذي يخضع له تلاميذ الطبقات الاجتماعية المتواضعة خصوصا في
المراحل الأولى للدراسة ؛ بحيث أن أولئك الذين خضعوا لانتقائية مفرطة يحصلون على
نتائج أحسن من الآخرين فيما بعد.
·
النظريات الثقافية والفعلية :
هاته النظريات توضح النجاح
المدرسي وتنقسم الى قسمين :
نظريات الحتمية : يمثلها كل من "يورديو، برنشتاين، كاهل وكوهن..."
و
هاته النظرية تؤيد العوامل المتعلقة بماضي الفرد، كما تؤكد على الإختلافات الكيفية
بين الثقافات الفرعية للافراد التي تتم فيها تنشئتهم اجتماعيا وبرمجتهم.
نظريات "الفعل"
أو
"الفردية الجديدة"
:
تم تطويرها من طرف العديد من الباحثين ومنهم « ريمون بودون"
و
تركز أكثر على المتغيرات المرتبطة بالمستقبل، والمشاريع الاجتماعية والمدرسية،
وكذلك على قوة اتخاذ القرارات العقلانية للأفراد، بعد عرض النظرية الثقافية نجد - نظرية برنشتاين الاجتماعية
اللغوية-.حيث وجهت لها العديد من
الانتقادات يمكن رصد بعضها فيمايلي :
أنه يأخذ على محمل الجد أن هناك علاقة بين أنماط التعبير المعرفي
والبنية الطبقية، والتي تؤثر على النجاح وبشكل عام على السلوك و المستوى الدراسي
والإجتماعي للطالب (الفرد) .
بدأ من الإستنتاج الذي انتهت
إليه مجموعة من البحوث على أن المستوى اللغوي مستقل عن القدرات العقلية لتلاميذ
الطبقات العمالية التي تم قياسها عبر روائز.
حسب بيرنشتاين اختلاف
النتائج يعزى لوجود لغتين، كل واحدة خاصة بطبقة اجتماعية معينة.
-
الاولى تستعمل من طرف التلاميذ
المنتمين للطبقات البورجوازية غنية بالمفاهيم وبالمؤهلات الشخصية والفردية، إدماج
العمليات المنطقية ضبط الزمان الماضي الحاضر و استعمال جيد للعلاقات السببية
والعقلانية في الكلام.
-
بينما ابناء الطبقات الفقيرة يستعملون التعبيرات
ذات الدلالات الملموسة و الوصفية الملموسة التركيز على الحاضر، إستعمال جمل اللغة العامية، الاعتماد بشكل أساسي على التعبيرات الجسدية، التي
يسميها برشتاين "الرمزية المعبرة"
.
من الواضح أن اللغة العامة واللغة
الرسمية تؤدي إلى أنواع مختلفة من السلوك فيما يتعلق بالتعليم المدرسي القائم على
تعلم وإتقان اللغة المكتسبة وعلى مراعاة قواعد سلوك محددة. ومن تم،هناك احتمال ظهور موقف يسوده صراع بين
التلميذ من عائلة تنتمي إلى الطبقة العاملة والمعلم . يلاحظ برنشتاين ان التواصل
سيصبح وسيلة لتأكيد الاختلافات.
يقول محمد الشرقاوي،على الرغم
من أن نظرية بيرنشتاين أكثر تفصيلاً ، فإنها تشترك مع نظريات أخرى من نفس النوع في
فرضية وجود ثقافات فرعية.
على عكس لماهو ثقافي ،يوجد الفردانيون
التيار المنتصر للفعل ،إنهم يعارضون خلاصاتهم النهائية التي تنص على أن الاختيار
له هدف وحيد يتجلى في إعادة إنتاج البنية الاجتماعية ، وضد تصور البنيوية الشاملة
التي تعتبر ان المدرسة والسلطة المطلقة ، تمارس و تفرض قانونها على الأفراد.
أخيرًا ، يشيرون إلى أنه حتى لو تمكنت
هذه النظريات من توضيح سبب تصرف الأفراد بطريقة تحقق ما يتوقعه منهم النظام
الاجتماعي أو المجموعة المهيمنة ، انهم غير قادرين على اعطاء سبب التغير مع
مرور الوقت في درجة عدم المساواة في الفرص التعليمية للأفراد من مختلف الطبقات
الاجتماعية.
تعليقات
إرسال تعليق