التغيرات القيمية التي عرفتها الاسرة المغربية

عرض حول :


التغيرات  القيمية التي عرفتها الاسرة المغربية :


من اعداد الطالبة الباحثة فاطمة الزهراء المتاقي 


محاور العرض

مقدمة

المفاهيم الاساسية

مفهوم القيم

مفهوم التغير الاجتماعي

مفهوم الاسرة

المحور الاول : رصد أهم  التغيرات التي طرأت على الاسرة المغربية

التحول من الاسرة الممتدة الى اسرة نووية

تغير العلاقات داخل الاسرة

تغير بعض القيم داخل الاسرة

من الجماعية الى الفردية

قيم الشرف والاحتشام

القيمة المتعلقة بالسلطة الابوية

قيمة الاستهلاك

قيمة الانجاب

المحور الثاني : عوامل التغير القيمي في الاسرة المغربية

العامل التكنولوجي

العامل المتعلق بالتطبيع الاجتماعي

العامل المتعلق بالعولمة      

تقديم :

تواجه الاسرة المغربية اليوم رهانات وتحديات في مجال القيم، وذلك لاعتبارات متعددة، تتمثل بالاساس فيما تعرفه الاسرة من تحولات قيمية، والمرتبطة اساسا بالتحولات الجوهرية والمتسارعة التي يعرفها المجتمع المغربي، والتي تعود في جزء منها الى تنامي ظاهرة العولمة وما رافقها من تطور، خصوصا في مجال التقنيات الحديثة للمعلوميات والاتصال وانتشار القيم الاستهلاكية، وظهور صراع القيم بين الاجيال، او مايطلق عليه صراع التقليد والحداثة داخل الاسرة والمجتمع، مما أثر على القيم الأسرية، وبالتالي لم تعد الأسرة هي المصدر الوحيد المنتج للقيم، بل صارت تلك العوامل سالفة الذكرتتدخل بدورها في تحديد القيم الاسرية، كل هذا ساهم في برز ظاهرة  يمكن نعتها بـ »أزمة القيم«la crise des valeurs ». وقد سبق للعديد من الباحثين أن أكدوا أنّ مستقبل الصراع في العالم سيكون في منظومات القيم. لذلك، يروم هذا العرض الوقوف عند بعض هذه التحولات التي عرفتها الاسرة المغربية في مجال القيم، والعوامل التي كانت وراء اختراق قيم جديدة فضاء مؤسسة الاسرة.

قبل البدأ في رصد اهم التغيرات القيمية التي طرأت على الاسرة في المجتمع المغربي، والعوامل الفاعلة في حدوث هذه الغيرات، ارتاينا في البداية انه من الاساسي والضروري التعريف ببعض المفاهيم التي سنعتمد عليها في التحليل لمعرفة علاقاتها مع التحولات التي مست مؤسسة الاسرة في هذا العرض.

ومن هذه المفاهيم كالاتي :

المفهوم الأول: القيم

المفهوم الثاني: التغير الإجتماعي

المفهوم الثالث: الأسرة

القيم :

يتسم مفهوم القيم بتعدد الدلالات والاستعمالات، وباختلاف الاهداف والمرجعيات، وذلك بحسب تعدد زوايا النظر اليه، وبحسب اختلاف المذاهب الفكرية، والتيارات الثقافية، والتوجهات الدينية. مما يجعله موضوع تعارض وصراع دائمين . افضى الى وجود تعاريف كثيرة للقيم، نذكر منها :

القيم عبارة عن مجموعة من المعايير والاحكام، تتكون لدى الفرد من خلال تفاعله مع المواقف والخبرات الفردية والاجتماعية، بحيث تمكنه من اختيار اهداف وتوجهات لحياته، يراها جديرة بتوظيف امكانياته، وتجسد خلال الاهتمامات او الاتجاهات او السلوك العملي او اللفظي بطريقة مباشرة وغير مباشرة. وتتكون من مجموع معتقدات واختيارات وافكار تمثل اسلوب تصرف الشخص ومواقفه واراءه، وتحدد مدى ارتباطه بجماعته، وتشكل مجموع القيم، النظرة الى العالم.

كما عرفها حليم بركات  بانها: “المعتقدات حول الأمور والغايات، وأشكال السلوك المفضلة لدى الناس، توجه مشاعرهم وتفكيرهم، ومواقفهم، وتصرفاتهم واختياراتهم، وتنظم علاقتهم بالواقع والمؤسسات والآخرين أنفسهم والمكان والزمان، وتسوغ مواقفهم، وتحدد هويتهم ومعنى وجودهم، أي تتصل بنوع السلوك المفضل وبمعنى الوجود وغاياته.

في نفس السياق تعرفها رحمة بورقية : بانها ما يفضله الافراد والجماعات وما يعتبرونه الامثل والافضل لقيادة السلوك والجماعات.

في حين نجد غي روشيه "Guy Rocher”، يؤكد أنّ القيم مخصوصة بكل مجتمع، بمعنى أنّ كل مجتمع يتخذ مثله ومعاييره الخاصة به، وهذه القيم ترتبط بشروط تاريخية معينة، لأنّ القيم تتغير في الزمان والمكان؛ أي من مجتمع إلى آخر، ف "غي روشيه" يعتقد بأنّ القيم نسبية، وهي تتضمن بالإضافة إلى ذلك شحنة انفعالية، وتستدعي انتماءً عاطفيًّا وأحاسيس قوية وهذه الشحنة العاطفية هي التي تفسر الثبات النسبي للقيم عبر الزمن، وهي التي تفسر أيضًا المقاومة التي يلاقيها عمومًا تغير القيمة وتبدلها داخل أي مجتمع من المجتمعات. ويضيف أيضًا، أنّ القيم هي طريقة في التفكير والفعل عند الأفراد أو الجماعة، وهي تتخذ بشكل معياري وموجه للسلوك والمواقف.

التغير الاجتماعي :

يشير عموما الى" العملية التي يتم من خلالها احداث تحولات جوهرية في البناء الاجتماعي سواء في اشكال التفاعلات الانسانية او في العلاقات القائمة بين الافراد في المجتمع وفي النظم والقوانين والعادات والقيم والمعايير".

الاسرة :

تعتبر الأسرة الخلية  الاساسية  داخل كيان أي مجتمع، وتشير إلى نظام علاقات الإرتباط و الإلتزامات التي بين مجموعة من الأفراد (  تتشكل من الزوجين و أبنائهما غير المتزوجين ) على أساس القرابة أو الزواج أو التبني"

و تعد " الأقدم و الأعرق من بين جملة المؤسسات التي يقوم عليها المجتمع البشري ”؛ لكنها عرفت هي الأخرى تغيرات عدة تبعا لتغيرات المجتمع .

إن الدراسات تؤكد ان الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتفاعل مع اعضائها، وبالتالي فهي تؤثر على النمو الشخصي في مراحله الأولي سابقة بذلك أي جماعة أخرى حيث تعد المسؤولة عن بناء الشخصية الاجتماعية والثقافية، بل أن تأثيرها ينفذ إلى أعماق شخصية الفرد ويمسها في مجموعها.

رصد بعض التغيرات القيمية التي عرفتها الأسرة المغربية :

التحول في شكل الأسرة المغربية وأثره على القيم الأسرية :

التحول  في شكل الاسرة من الأسرة الممتدة إلى أسرة نووية:

ومن أبرز مظاهر هذا التحول هو التغير في شكل الأسرة :

هناك تغييرات حدثت على مستوى حجم الأسرة ، حيث اصبحت الأسرة اكثر مرونة مع توليد نواع جديدة من الأسر. اذا كانت الأسرة الممتدة  في الماضي هي التي يعيش في احضانها عدة  اسر زواجية تحت سقف واحد ، ويمكن ان يعيش في هذه الاسرة مابين ثلاثة الى اربع اجيال متعاقبة، بحيث تقوم بدور التماسك الاسري وتوفير الامان لافرادها ، والمحافظة على الاقارب في وضعية تجمع وتعاون دائم وتقوم ايضا على سلطة الاب . فالاسرة النووية اصبحت تتميز بالشكل الزواجي الصغير، وتتكون من الزوج والزوجة والابناء غير المتزوجين ، وهي اسرة بسيطة تدير شؤونها بنفسها وتبحث عن الاستقلالية والانفراد في مسكنها .

 وللإشارة، فهذا النوع من الأسر ذات طبيعة نووية  يشكل اليوم أكثر من 63 %  من مجموع الأسر المغربية. وفي النسبة الباقية نجد اشكالا جديدة من الاسر، مثل اسر الامهات العازبات، والاخوة والاخوات الذين يعشون تحث سقف واحد.

لكن التنوع الاسري داخل المجتمع المغربي لم يقف عند  هذا الحد من التغير ، بل تعداه لتطفو على السطح نوع من أسر جديدة بقيم مختلفة وتنظيم أسري مختلف وهي "الاسرة ذات الرأس الواحد" وهي الاسرة التي يكون فيها زوج واحد وأبناء. إذ يسهر هذا الزوج على سيرها العادي من توفير المستلزمات الأسرية ( الاكل، واللباس ، التعليم...)، سميت بهذا الاسم لكونها إنفصلت عن المعهود فيها، وناقصة من الشكل العادي للأسر ( زوج ، زوجة ) إما لحالة الطلاق أو الوفاة.

وفي السياق نفسه ، يؤكد الاستاذ المختار الهراس ، انه رغم هذا التنوع  الذي نشاهده في الأسر، الا أن ثلثي الخلايا الأسرية في المغرب تبقى ذات طبيعة نووية ،لكنها ثقافياً لازالت تحمل قيم الأسرة الممتدة، مبرزاً أن الانفصال السكني لم يؤثر في تحول القيم على هذا المستوى. وفي نفس السياق وتؤكد بعض الدراسات ان التغير من الاسرة الممتدة الى النووية في المجتمع المغربي لا يعني حدوث استقلال شامل للاسرة الزواجية عن الاسرة الام، فالاسرة النووية لا تزال مرتبطة باسرة الوالدين نتيجة تمسكها بالقيم والعادات ،  وبعلاقاتها وانتمائها وولائها  للاسرة التقليدية ، ويتجلى ذلك بصورة اوضح في الازمات والظروف الخاصة وفي المناسبات والاعياد. 

تغير العلاقات داخل الاسرة :

إن التحول من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النووية، يتبعه حتما تغير في طبيعة العلاقات الاسرية ، فعلاقة الآباء بالأبناء وعلاقة الرجل بالمرأة كانت تتحدد على أساس النظام الأبوي ( البيطريركي ) والذي يتمثل في هيمنة الرجـل علـى المـرأة وهيمنـة الكبـار علـى الصـغار بمـا يعنـي توزيعا هرميا للسلطة وذلك وفق متغيرات الجنس والسن...

حيث كان الخضوع والطاعة من أهم مميزات الأسرة المغربية القديمة، كطاعة المراة لزوجها، طاعة الأبناء للوالدين، طاعة الصغير للكبيرمن خلال قيمة " الرضا الأبوي "، وتعد هذه الاخيرة قيمة أخلاقية يبحث عنها الكل من لدن الآباء، وتذوت وفقها شروط العلاقة مع الآباء كي تمنعهم من الوقوع في " السخط ". ويشتغل كمبدأ يحافظ على وحدة الأسرة مع مرور الزمن. وتشكل بالتالي قيمة  الطاعة حجر الزاوية ضمن النظام البطريريكي الأبوي  patriarcal الذي يستند على الاخلاق الدينية لتبرير شرعيته.

لكن مع التحولات التي طرات على بنية الاسرة فإن جيل الشباب اليوم أصبح يفضل التفاهم والحوار عوض الطاعة والخضوع في علاقتهم مع باقي أفراد الأسرة.

وفي هذا السياق تظهر نتائج البحث الوطني حول القيم ،ان قيمة الطاعة بين الاباء والابناء قد اقصيت لصالح قيمة الحوار:

73.8% مع الحوار في التربية

72% مع اتخاذ القرارات بشكل مشترك بين الزوج والزوجة

56.7% مع استقلالية الزوجين على المستوى السكني .

وحتى الأشخاص ما بين 40 و60 سنة، أصبحوا يبنون علاقاتهم على التفاهم والحوار. ويظهر ذلك جليا اليوم، خصوصا عند اتخاذ القرار، فقديما، كان الزوج هو من يستأتر باتخاذ القرار، أما حاليا، فأصبح الزوجان يشاركان في اتخاذ القرارات خصوصا فيما يتعلق بالحياة الأسرية، كمنع الحمل، عند البيع والشراء.. أي أصبح التفاهم والحوار هو الغالب. وهذا التغيير الذي حدث على علاقة المرأة بالرجل أثر بالتأكيد على الأسرة.

وهكذا، يمكن القول ان العلاقات داخل العائلة شهدت الكثير من التغير سواء فيما يخص علاقة المرأة بالرجل او علاقة الابناء بالاباء . ولقد جاء هذا التغير لصالح مشاركة المرأة والشباب في شؤون عائلاتهم، ولصالح تحقيق استقلالية نسبية اكثر بالنسبة للاسرة النووية. وهذا التغير ارتبط بالتحول من الاسرة الممتدة الى الاسرة النووية ...

تغير بعض القيم داخل الاسرة :

ان التحول من الاسرة الممتدة الى الاسرة النووية اثر على العلاقات داخل الاسرة ، وبالتالي سيؤثر حتما على القيم الأسرية كالقيم المتعلقة بالجماعية، الطاعة، الشرف والاحتشام، والقيمة المتعلقة بالسلطة الأبوية، وذلك على النحو التالي :

من الجماعية الى الفردية : في الماضي كانت الجماعية تشكل قيمة عليا، حيث كان افراد الاسرة الممتدة يرون فيها علاقة الزامية وابدية الى حد كبير، فكانت هي المسؤولة عن اعالتهم، وعن توفير العمل والمسكن وعن تزويجهم ورعاية اطفالهم، لذلك كانت مصلحة الفرد تتطابق مع مصلحة الاسرة ورغباتها. ومن ثم لم يكن للفرد وجود ، أي أن الأفراد داخل الاسرة في السابق لم يكن لهم مجالات للتعبير عن ذواتهم إلا من خلال أداة "نا" الجماعية"، التي تعطي أحقية أكثر للجماعة ولقرارتها فيما يجحف أويغيب القرار الفردي ،وانما كان مجرد جزء من الاسرة ، ولم يكن ليمثل وحدة اجتماعية قائمة بذاتها. فالجماعية كانت اذن سمة قيمية مميزة للاسرة الممتدة.

وترتبط القيمة الجماعية بعدة عوامل تساعد على تدعيمها أو إضعافها؛ كالسكن العائلي المشترك، الأعمال الجماعية، وعليه فإن انحسار السكن المشترك وانتشار السكن المستقل في المجتمع  وكذا تراجع العمل الجماعي المتعاون، تشكل عوامل مشجعة على تنامي النزعة الفردية وتراجع القيمة الجماعية.

بالاضافة الى هاته العوامل ووعوامل اخرى كازدياد وثيرة التعليم واستفادة فئات واسعة من خدماته، وكونية القيم الديمقراطية، والتدفق الإعلامي الهائل واللامحدود، وغيرها من العوامل، ساهمت في بروز ملمح جديد في المجتمع المغربي، وهو ميلاد الفرد « Sujet »، بما يعنيه ذلك من بروز ثقافة جديدة تعبر عن ذاتها من خلال اتخاذ المواقف والقرارات والاستقلالية وتحمل المسؤولية . 

وهذا ماجاء في بحث "مختار الهراس“ بروز الفرد داخل العائلة“ الذي اعتبر أن أكبر أشكال التغير الذي عرفته الاسر المغربية في العالم القروي كان بفعل بروز الفرد، أي أصبحت الأفراد تصدر القرارات بعدما كانت الجماعة هي التي تتخذ القرارات، وأصبحت هذه القرارات في اتجاه مصلحة الأفراد، في نظر الهراس أصبحت الأسرة تتجه نحو سلطة فردية بعدما أصبحت الجماعة تحتل هذه المكانة. فالأسرة النووية هي نموذج أسري يتميز أعضاؤه بدرجة عالية من الفردية وبالتحرر من الضبط الأسري، مما يترتب عليه أن تعلو مصلحة الفرد مصالح الأسرة ككل.

قيمة الشرف والاحتشام :وتمثل قيم الشرف والاحتشام عناصر أساسية في النظـام ( الابوي ) ، فقيمة الشرف  تربط تحديدا سلوك المراة بشرف الرجل فتجعل من الرجل مسؤولا عن هذا السلوك. ويرتبط الاحتشام بالشرف بدرجات متفاوتة لكون الشرف اوسع مجالا في سلوك الفرد من الاحتشام. ومع ذلك فان مظاهر الجنسانية (Sexuality) هي المحور الذي تتشكل حوله القيمتان. ولذلك يظل العزل الجسدي للمرأة بل وفصل مكانها عن مكان الرجل وحصرها في المنزل واستخدامها للحجاب ... الخ، يظل تعبيرا عن احتشامها وحماية شرف الرجل، ومن ثم فان حماية هذا الجسد تعد مسؤولية الاسرة ككل. ومن هنا تاتي اهمية " غشاء البكارة" كتعبير عن شرف المراة الذي هو شرف الاسرة. واما الاحتشام كقيمة، فهو يعني مجموعة من الاجراءات الوقائية الهادفة الى الحفاظ على " الشرف" .

القيمة المتعلقة بالسلطة الأبوية :

اخذت سلطة الاب في الاسرة المغربية تنحسر، مما ادى الى تغيير المفاهيم السائدة عن الاسرة ووظائفها والعلاقات السائدة ، ومراكز الادارة والسلطة فيها ، والتي اصبح للام وللابناء دورا كبيرا فيها.

وقد تحول وضع الاب المغربي من السيطرة في الاسرة الى وضع يتميز بعدالة اكبر، ومن رئيس تسلطي الى رئيس ديمقراطي، كما ان هالة الاحترام التي كان يتمتع بها الاب بصفته الكفيل لضمان القيم الموروثة من الاجداد بدأت تتراجع ، واصبح الابن يتمتع بجزء منها بفضل نجاحه في دراسته وفي حياته المهنية والتي تعتبر نجاحا وفخرا للاب ايضا.

ومن بين العوامل التي ادت الى تراجع سلطة الاب في الاسرة النووية هو ما تمتاز به هذه الاسرة بالفردية والاستقلال الذاتي لافرادها، فالاب دائم الانشغال خارج المنزل، والام العاملة لها غالبا ارتباطات والتزامات بميدان العمل، والاطفال يبدؤن منذ فترة مبكرة في الانخراط في بيئات خارج نطاق الاسرة ، كالحضانة والمدرسة وجماعة اللعب ووسائل الترفيه المختلفة وفي مقدمتها الالعاب الالكترونية والتلفزيون على تعدد قنواته وبرامجه وشبكة الانترنيت.

فالأسرة النووية عكس الاسرة الممتدة، فمركز السلطة يكون غالبا في يد الإناث أكثر، ويمكن إرجاع مركزية السلطة في يد الإناث على الذكور إلى  خروج المرأة  للعمل، إذ يشير تقرير أصدره المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي سنة 2016، حول " المساواة بين النساء والرجال " في الجانب الإجتماعي" إلا أن النساء يمثلن 52,8 في المئة من العمال والمستخدمين في المغرب.

ويقدر عدد الأسر التي تعيلها النساء في المغرب بحوالي 1,2 مليون أسرة، من أصل 6,8 ملايين أسرة مغربية، أي حوالي 17.7 في المئة حسب نشرة أصدرتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2014 بعنوان النساء المغربيات وسوق الشغل.

 

قيم الاستهلاك :

أدى خـروج المـرآة للعمـل والـتعلم إلـى نـزع اللبـاس التقليـدي واقتناء لباس يواكـب العصـر والموضـة وهـذا مـا جعـل كثيـر مـن النسـاء يصـرفن جـزء كبيـر مـن رواتـــبهم علـــى أدوات الزينـــة والملابـــس الغاليـــة فأصـــبحت كثيـــر مـــن الأســـر تتبنـــى قـــيم الإسـتهلاك بــدلا مــن قــيم الإنتــاج ، والذي يختلف عن الاستهلاك الذي كان سائدا في الماضي، فقد أصبح الاستهلاك بدون هدف وبدون معنى، في ظل التدفق الكثيف لوسائل الإعلام وللإشهار الزائد، أصبحت قيم الاستهلاك "نمط في الحياة" « live style ».

قيمة الانجاب :

لقد كان الإنجاب في الماضي عملية بيولوجية تتم دون تخطيط، حيث أن الظروف الاقتصادية و الاجتماعية تسهم في ضمان المستقبل سواء للكبار أو الصغار، وأكثر من هذا كانت العوامل الثقافية لها دخل كبير في زيادة الاطفال، حيث أن الأمهات كانوا يفتخرن بكثرة عدد أطفالهن ويعتبرن الإنجاب وكثرة الأولاد العامل الأول والوحيد في النجاح والاستقرار الأسري و كان الأطفال رمزا للعزة والفخر للرجل، ونظرا للتغيرات التي حدثت في المجتمع بخروج المرأة للعمل، والهجرة من الريف إلى المدينة وتأخر سن الزواج لعدة أسباب منها الدراسة والبحث عن فرص عمل لكلا الجنسين كل هذا أدى إلى تغير في شكل الأسرة، من الشكل الممتد إلى الأسرة النواة، فالأبناء أصبحوا عبئا اقتصاديا كبيرا لا يتحمله كثير من الآباء، وأصبح الإنجاب موضوعا للاختيار الإرادي وليس للصدفة، وتتدخل كثير من المجتمعات لتحديد العدد الأفضل للأسر.

ونظرا لهذه التغيرات، ظهرت العديد من المفاهيم والمصطلحات المرتبطة بالعملية الإنجابية في الأسرة منها تنظيم الأسرة، حجم الأسرة، الخصوبة، ضبط الإنجاب، التخطيط الأسري، الإجهاض، تكنولوجيا الإنجاب ، وأكثر من هذا فإن الإنجاب نفسه كوظيفة أسرية ممكنا خارج نطاق الزواج والأسرة، وظهر ما يعرف " بالأم العازبة"، أو يمارس بواسطة التقنيات الطبية ووسائل التحكم بالإنجاب.

وأهم ما يميز الأسر الحالية هو إنجاب حد أدنى وتحاشي العدد الكبير من الأطفال، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة العاملة والمتعلمة ويعوض الأسرة عن مسؤوليتها تجاه تربية الأطفال وتكريس نفسها لتنشئتهم ذلك الرضا الذي يشعر به الوالدان في حياتهما، وهكذا تنسجم مطالبا الجنس ومطالب الإنجاب بشكل أكبر مع ذلك المركب المعقد من الميول والحاجات التي تصبغ حياة و وجود الإنسان المتحضر.

عوامل التحول القيمي في الاسرة المغربية

ومن عوامل هذا التغير :

تحول قيمي بسبب التغير التكنولوجي :

ان المتتبع لما يحدث في عالمنا اليوم يجده يمر بمرحلة جديدة، وهي مرحلة ما بعد الحداثة ، والتي من ابرز معالمها ظاهرة العولمة، وما رافقها من تطور هائل في المجال المعرفي المعلوماتي، وفي مجال تكنولوجيا الاتصالات، ولم يكن غريبا ان يتأثر مجال القيم بالمستجدات والتغيرات العالمية، التي كان من نتائجها انحصار قيم وظهور قيم جديدة، فالعولمة بالرغم من مظهرها الاقتصادي والسياسي، الا ان هدفها النهائي هو التغيير في الجانب الاجتماعي والثقافي للمجتمعات البشرية، بما في ذلك الهوية وانماط العيش والقيم، وللوهلة الاولى يبدو ان العولمة موجهة نحو مقاصد المال والاستهلاك والماديات، ولكن سلاحها الحقيقي في الواقع موجه نحو عقلية الانسان وقيمه الاجتماعية وعقيدته، فهي غزو ثقافي باكمله، لانها موجهة لفكر الانسان بفضل حيازتها على منظومة معرفية شاملة ومنتظمة.

هذا ما أكده عويدات حيث يقول: "لقد ترتب على هذه الثـورة المعلوماتيـة حـدوث تغيـر إجتمـاعي متسـارع فـي القـيم والمعـايير والمؤسسـات والعلاقـات الإجتماعيـة والإنفتـاح  الإعلامـي الثقـافي الحضـاري العـالمي بفضـل وسـائل الإعـلام السـريعة ".

ولعل مؤسسة الاسرة باعتبارها  مؤسسة للتنشئة الاجتماعية وتنتج وتعيد انتاج القيم ، هي اكثر المؤسسات الاجتماعية تاثرا بهذه التحولات، فقد اصبحت وظيفتها بالغة التعقيد، نظرا لتعاظم دور القوى والمؤثرات غير المقننة ( مثل الاعلام الفضائي ) ، واحتلال المؤسسة الاعلامية ولا سيما الفضائيات التي دخلت كمنافس قوي، لتتولى عملية التنشئة الاجتماعية، فارضة نفسها بقوة على بقية الاطراف المعنية بهذه العملية، موظفة في ذلك كل ما تملكه من وسائل الاغراء والاستقطاب، لا يملك الفرد معها الا الاذعان والاستسلام، خاصة اذا عرفنا ان مرحلتا الطفولة والمراهقة هما مرحلتا التكوين الحقيقي والفعال للقيم الاجتماعية؛بمعنى ان هذه التغيرات وضعت الافراد في مواجهة قيم احتماعية دخيلة، كالميل الى التملص من الرابط الاسري، وعدم التمسك بالقيم والعادات المتعلقة بالموروث الديني والثقافي ، وبذلك يكون قد ابتعد عن قيم المجتمع...

تحول قيمي بسبب عملية التطبيع الاجتماعي :

 وهي في اساسها عملية اهتزاز للتوازن القيمي، وتحرك لتحقيق توازن جديد، حيث نجد ان  في النسق الاجتماعي ميكانيزمات محددة تفرض ضغوطا او توترات على الفرد تجعله يتخلص من اتجاهه القيمي المتوازن ( مثل جماعة الاصدقاء، المناخ التربوي داخل المدرسة...)، ثم تمده بعد ذلك بالاساليب التي يتغلب بها على هذه التوترات، ويساعده على قيام توازن لنمط التفاعل الجديد.

تحول قيمي بسبب تاثيرات العولمة على القيم :

ادى تنامي ظاهرة العولمة وما رافقها من تطور خصوصا في مجال التقنيات الحديثة للمعلوميات والاتصال وانتشار القيم الاستهلاكية، وظهور صراع القيم بين الاجيال، او مايطلق عليه صراع التقليد والحداثة داخل الاسرة والمجتمع، حيث يميل البعض الى التشبت بالقيم الحداثية\ الحداثة، ويحرص اخرون على التمسك بالقيم التقليدية، بينما يميل بعض الشباب الى الخلط بين القديم والحديثن وهو ما ينعكس على تمثلاتهم لانماط السلوك والممارسات المتعلقة بمؤسسة الزواج والبناء الاسري، والتنشئة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، علاوة على القيم المرتبطة بممارساتهم السياسية والدينية.

كما سعت العولمة الى محاولة القضاء على الارث الانساني المقدس بالنسبة لنا كعرب ومسلمين، وذلك من خلال العمل على تعميم القيم الغربية، وخاصة الامريكية، وذوبان الحضارات غير الغربية في النموذج الحضاري الغربي، بل وتعميم السياسات المتعلقة بالطفل والمرأة والاسرة، والتظاهر بالحفاظ على حقوقهم، ولكنها في الحقيقة تعمل على تفكيك الاسرة...

ولعل هذا التحول القيمي الذي يشهده المغرب هو ما اكده تقرير الخمسينية اذ يقول واضعو التقرير بان هناك تحول في مرجعية القيم ببلادنا؛ حيث تم الانتقال من مرحلة تتميز بما استأنس به المغاربة من تعايش بين القيم التقليدية التي تعرف تراجعا لحساب القيم الجديدة التي توجد في طور البروز والترسخ، فهل يتعلق الامر بأزمة القيم ام ببوادر حداثة تترسخ. كما ان ازمة القيم او تصدع منظومة الاخلاق تشكل حسب التقرير احدى المحددات الخمسة لاختلالات الاسرة المغربية.

 

المراجع المعتمدة في إنجاز هذا العرض

  مختار الهراس، أطروحة الدكتوراه، حول بروز الفرد داخل العائلة.

 عبد الرحيم عنبي، أطروحة الدكتوراه حول التغيرات التي تعرفها الاسرة.

 إحصائيات وأرقام المندوبية السامية للتخطيط.

محمد مومن : الأسرة المغربية بين تحديات العولمة وتحولات المجتمع، القنيطرة، المغرب

 لعرج محمد :  التغيرات التي صاحبت الأسرة المغربية 

محمد ماموني العلوي، الأسرة المغربية في مواجهة الاختراق القيمي، المغرب

ثريا التركي ،تغيير القيم في العائلة العربية ، القاهرة ، ص 14-30 .

امبارك بوعصب، تحولات منظومة القيم وصراع المرجعيات بالمدرسة المغربية.ص 2-5 .

عزالدين الحجاجي، بعض مظاهر التحول في المجتمع المغربي المعاصر

Rahma Bourqia. Valeurs et changement social , Sociologue، présidente de l’université Hassan II – Mohammedia، Casablanca

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Sociologie de l’education قراءة في كتاب "سوسيولوجيا المدرسة " للمؤلف محمد الشرقاوي

نظريــات سوسيولوجيـــا التربية