سوسيولوجيا النوع gender
من اعداد : الباحثة فاطمة الزهراء المتاقي
طالبة باحثة بماستر : المدرسة والتغير الاجتماعي
بكلية الاداب والعلوم الانسانية
جامعة مولاي اسماعيل بمكناس
خطة العمل
تقديم عام :
البدايات الاولى لسوسيولوجيا النوع
1- الاطار الفلسفي لاشكالية النوع
جون جاك روسو ” اللامساواة و العدالة الاجتماعية ”
اليكس دو طوكفيل ”الديمقراطية والسياسة ”
2- تحديد المفاهيم
3- الاطار السوسيولوجي لاشكالية النوع
اطروحة بيير بورديو ” الهيمنة الذكورية ”
اطروحة امانويل كاستلز ”سلطان الهوية ”
تقديم عام :
تعد سوسيولوجيا النوع من التخصصات الحديثة ضمن السوسيولوجيا العامة.
تشير الادبيات السوسيولوجية الى ان مصطلح ” النوع الاجتماعي“ استخدم لاول مرة من قبل الامريكية ”Ann Oakly“ في كتابها الموسوم ب“ Sex,Gender and society ” في سبعينيات القرن الماضي، وذلك لوصف خصائص الرجال والنساء المحددة اجتماعيا في مقابل الخصائص المحددة بيولوجيا.
البدايات الاولى لسوسيولوجيا النوع : تتسم بمرحلتين جوهريتين:
المرحلة الاولى : اتسمت بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وكان اساسها الاجر والحقوق المرتبطة بالعمال والنساء. طيلة هذه المرحلة كان هناك تفاوت في الاجور وفي ساعات العمل بين الجنسين. من هنا ظهرت حركات نسائية نقابية تبحث عن التساوي في الاجور وفي ساعات العمل وبعض الحقوق الاخرى...
المرحلة الثانية : في هذه المرحلة سيرتبط النوع بحقوق الاقليات ، خاصة الاقليات الجنسية في اواخر التمانينات والتسعينات, حيث سوسيولوجيا النوع ستاخد منعطفا جديدا ابتداءا من سنة 1990.خاصة فيما يتعلق بالمثلية الجنسية حيث كانت هذه الاخيرة تعتبر الى غاية هذه السنة بانها نتاج لمرض نفسي ،وانطلاقا من ابحاث O.M.S تاكد انه لا علاقة للمثلية الجنسية بالمرض النفسي.
الاطار الفلسفي لسوسيولوجيا النوع
في هذا الاطار سنعتمد على نصين فلسفيين مؤسسين لهذا المبحث العلمي.
النص الاول: لجون جاك روسو“خطاب في اللامساواة“
في هذا النص يؤكد روسو على ان الجنس البشري يخترقه نوعين من اللامساواة:
اللامساواة الطبيعية : وهي مرتبطة بالطبيعة الانسانية الجنس،السن، قوة الجسد....).
اللامساوة الاخلاقية اوالسياسية : وتتعلق بالاتفاقات بين البشر سواء كانت اتفاقات بالتراضي او بالقوة.
هاته الاخيرة حسبه ترتبط بالامتيازات التي يستفيد منها البعض عن الاخر
وهاته الامتيازات تختلف من مجتمع لاخر وذلك بسبب التراتبية وعلاقات القوة الموجودة داخل المجتمع .
يتسائل جون جاك روسو في هذا الصدد :
هل هناك علاقة ترابط بين اللامساواة الطبيعية واللامساواة الاخلاقية اوالسياسية؟
هل يستحق اصحاب الامتيازات تلك الامتيازات التي يمتلكونها؟
والى أي حد يمكن الحديث عن وجود مساواة وعدالة اجتماعية؟
هذه التساؤلات سوف تجعل الفلسفة الغربية تعيد النظر في مجموعة من الاسس التي يتاسس عليها المجتمع وتتاسس عليها الهيمنة والوقائع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. .
وبهذا انبثق منظور جديد يدفع الافراد للتحرر من الهيمنة المبنية على التراتبية الموجودة داخل المجتمع.
وبالرغم من تساؤلات جون جاك روسو يعترف بان بعض اشكال اللامساواة توجد في الطبيعة. وبالتالي فاللامساواة المبنية على الجنس يمكن القبول بها ، لان في الاصل هناك اختلاف في الطبيعة لكن هذا الاختلاف هو جزئي وغير ذي معنى. وبالتالي ما يغرب (الاغتراب) الانسان بالاساس حسب روسو هو اللامساواة الاجتماعية وهاته الاخيرة حسبه اعتباطية وليست لها علاقة ببنية الاجساد.
الخلاصة التي يخلص اليها جون جاك روسو هي ان العديد من الاختلافات التي تميز الناس تبدو طبيعية لكنها في الحقيقة تتعلق بالعادات وبتعدد انماط الحياة؛ وبالتالي فالاختلاف بين الناس يكون صغيرا في حالة الطبيعة بالمقارنة مع المجتمع . وبهذا حسب روسو لا اساس لمقولة ان التمييز بين الرجال والنساء يعود الى الطبيعة لان اللامساواة الحقيقية موجودة في المجتمع ( المؤسسات ، الاخلاق ، السياسة ...الخ ).
النص الثاني: اليكس دو طوكفيل ”الديمقراطية والسياسة“
في هذا النص يتناول اليكس دو طوكفيل مفهوم الحرية الفردية في علاقتها بالديمقراطية. يؤكد ان الديمقراطية تدفع الافراد الى التموقع حول شؤونهم الخاصة فيصبحون اقل اهتماما بالاخرين. فالديمقراطية تنبني على الفرد وحريته ، وعند ممارستها فهي تقود الى كسر سلسلة المجتمع والتاسيس لمجتمع الافراد الذي يتميز ببلوغ اقصى درجات المساواة والحرية.
يرى دوطوكفيل ان الافراد في هذه الحالة يصبحون غير مبالين وكانهم غرباء عن بعض. فاذا كانت الارستقراطية تجعل الناس سلسلة طويلة ترتفع من الفلاح الى الملك فان الديمقراطية كسرت هذه السلسلة فاصبح كل واحد يعيش لنفسه وغير مرتبط بالاخرين. وذلك على اعتبار ان الاوضاع الجديدة التي يتاسس عليها المجتمع الحديث جعلت كل الافراد متساوون ،كل فرد يجازى انطلاقا من الاعمال التي يقوم بها، كما يمكن لكل فرد ان يتسلق هرم المجتمع انطلاقا من كفاءاته وقدراته وامكانياته . وبالتالي الافراد في هذه السيرورة يتعودون على الانعزال والفردانية.
وبهذا توصل دوطوكفيل الى ان الديمقراطية لاتنسي الفرد فقط في من سبقوه (ابائه واجداده) وانما تخفي عنه ابنائه وتبعده عن معاصريه انها تقوده الى نفسه دائما ولاتتردد في سجنه في فردانيته.
انطلاقا مما سبق،يمكن القول ان مفهوم الديمقراطية ومفهوم الحرية مثلا الارضية والتربة التي اسست لثورة اجتماعية وسياسية كما اسست لفكر جديد يعيد النظر في البناءات الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تتاسس عليها العلاقات الاجتماعية خاصة بين الرجال والنساء.
بناءا على نصي كل من جون جاك روسو و اليكس دوطوكفيل يمكن القول بان سوسيولوجيا النوع تتاسس على مبدا جوهري وهو مبدا الحداثة ، فعندما نتحدث عن مسالة النوع فاننا نتحدث عن مفاهيم جديدة انتجها العقل الغربي في اطار المجتمع الحديث.
https://youtu.be/RjEvoxDeLmU لمشاهدة الفيديو اضغط على الرابط التالي يوضح كل شيئ
تحديد المفاهيم
مفهوم النوع الاجتماعي : لقد كان الاعتقاد سابقا بأن التمايزات الاجتماعية والأدوار المختلفة للنساء والرجال هي اختلافات طبيعية لا تتغير، وأنها محددة بالاختلافات البيولوجية. وكانت هذه المميزات و الصفات تتتضمن أفكارا وقيما عما يخص الذكر وما يخص الأنثى (مثل كون المرأة عاطفية والرجل عقلاني).
ومن خلال البحث في الثقافات المختلفة تبين أن معظم تلك المميزات المفترضة قد تمت صياغتها وبناؤها من خلال العوائد والممارسات الاجتماعية أكثر من كونها مميزات محددة مسبقا بفعل الطبيعة . وهذا ما دعى الأبحاث والدراسات إلى إقامة الفصل المميز بين الجنس البيولوجي و الجنس الاجتماعي. وعليه صار من المتعين التمييز بين الطبيعي والثقافي في العلاقات بين الجنسين.
والواقع أن هذا التمييز يقتضي الوقوف على ما هو طبيعي أي الفارق الجنسي بين المرأة والرجل، وبين الفوارق الثقافية والحضارية التي يبنى عليها تمثل وتقبل علاقات اجتماعية ذات معنى بين الرجال والنساء، أي علاقات النوع وعملا بهدا التمييز نجد ان :
الجنس : الجنس يتعلق بالشروط البيولوجية والفزيولوجية ( أي الأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية والهرمونات والسمات الجنسية الأخرى...). وتؤدي هده الشروط متجمعة الى تحديد الجنس من حيث الانوثة والذكورة . تتمثل في قدرة الرجال على الاخصاب ، وقدرة النساء على الحمل و الولادة. هذا الاخير ثابت، و غير قابل للتغيير.
النوع الاجتماعي : في حين تحدد مجموعة من العوامل والشروط تاريخية،ثقافية،اجتماعية،سيكولوجية.... النوع الاجتماعي الذي تتحدد من خلاله الذكورية والانثوية التي تتلون بالمدركات الاجتماعية والثقافية . غير ثابت، وقابل للتغيير
كما اشرنا سابقا الى الباحثة الامريكية ان اوكلي في كتابها ( الجنس، النوع والمجتمع) وقلنا بانها هي التي ادخلت مصطلح النوع الى علم الاجتماع وتوضح ان كلمة :
جنس تشير الى التقسيم البيولوجي بين ذكر- انثى ، بينما يشيرالنوع الى التقسيمات الموازية و غير المتكافئة اجتماعيا الى الذكورة – الانوثة.
فحاليا يستخدم مفهوم النوع الاجتماعي ( الجندر) للتعبير عن عملية دراسة العلاقة المتداخلة بين المراة والرجل على اساس اجتماعي وسياسي وثقافي وديني اشارة الى الاختلافات والفوروقات التي صنعتها المجتمعات والثقافات عبر تاريخها الطويل بين الرجال والنساء.
مفهوم هوية النوع\الجندر تحيل الهوية الجندرية للشخص على انه ذكر او انثى او بين الجنسين، اذا لم تكن الهوية الجنسية للشخص متوافقة مع جنسه البيولوجي يمكن يمكن تحديد هويته النوعية كمتحول جنسيا او كفئة جندرية اخرى .
مفهوم التعبير عن هوية النوع هي الطريقة التي يعبر بها الفرد عن نوعه من خلال انماط واشكال مختلفة : ( اللباس، طريقة تصفيف الشعر، طريقة الكلام ، التزين....هذه التعبيرات يمكن ان تكون متوافقة مع المعايير او غير متوافقة، ويكون بمثابة اعلان عن الهوية الجنسية.
مفهوم الاتجاهات الجنسية تتحدد انطلاقا من اختيارات الفرد وميولاته الجنسية. والاختيارات الجنسية تتعلق :
باشخاص يميلون لنفس الجنس ( المثلية )
وباشخاص يميلون للمختلفين عنهم جنسيا ( الغيري)
او الانجداب الى اشخاص من الجنسين ( ثنائي الجنس)
لكن هذه الفئات من الاختيارات الجنسية التي يتم استعمالها على نطاق واسع ،قد تتغير بشكل متواصل. يتبين ذلك انطلاقا من بعض الدراسات ان الميولات الجنسية لا تظهر دائما من خلال هذه الفئات المحددة .بل ان الاتجاهات الجنسية لبعض الناس تتغير خاصة بالنسبة للنساء,
مفهوم البوح بالمثلية: تعني قدرة الافراد على اعلان ميولاتهم الجنسية. تحيل ايضا عن على العملية التي من خلالها يعلم الشخص ويقبل باتجاهه الجنسي.كما تتضمن العملية التي من خلالها يعلن الشخص عن اتجاهه الجنسي.
الاطروحات السوسيولوجية
اطروحة بيير بورديو:“ الهيمنة الذكورية “
بنى بورديو طرحه النظري ومقاربته السوسيولوجية ،والتي يمكن القول أنها ترتكز على خلفية منهجية تستمد أسسها من محددين جوهريين : الدوركايمية من جهة و الماركسية من جهة ثانية :
الاستفادة من الماركسية: استفاد من الماركسية ومفاهيمها لكن دون ان يتبعها في شموليتها. فبالنسبة اليه الصراع لا يوجد فقط في المستويات الاقتصادية، بل كذلك في المستوى الثقافي ، الاجتماعي والرمزي. كذلك مفهوم الراسمال حيث ابتدع مفهوم الراسمال الرمزي، الراسمال الثقافي، الراسمال الاجتماعي.
الاستفادة من الدوركايمية: هذا على إعتبار أن الظواهر العامة التي تؤطر المجتمع حسب دوركايم تتشكل على شكل بنيات هي التي تحدد سلوكات الأفراد وبالتالي فهي تشكل إكراها خارجيا عليهم ، بمعنى أن الحياة اليومية للأفراد محكومة بهذه البنيات العامة الخارجية المتعالية مما يعني أن الأفراد ليست لديهم الحرية و الإستقلالية في ممارساتهم وسلوكاتهم،وبالتالي لا يمكن ان تقبل التغير.
وهذا المأزق هو الذي سيحاول بورديوه أن يعالجه من خلال فهم جديد إنطلاقا من مفهومه "الهابيتوس" الذي يحاول بورديوه أن يشرحه من خلال عملية إشتغال البنيات على الأفراد و التي تقابلها الإستعدادات الغالبة عند الأفراد هي الإنصياع لأشياء تعودوا عليها إنطلاقا من تنشئتهم الإجتماعية لكن هناك أفراد إنطلاقا من كفاءاتهم و فاعليتهم الذاتية يخرجون عن هذه القاعدة ، هذه الممارسات الجديدة هي التي تفتح مسارا جديدا لبناء حلقة أخرى داخل المجتمع .
الاشكالية الاساسية للهيمنة الذكورية هي تعامل بورديو مع البنيات الموضوعية. ويبرهن على انه ليس هناك رجولة فطرية او انوثة فطرية هذه الصفات ماهي الا من تاثيرات الحس المشترك، ويؤكد على ان الطبيعة ليست في الواقع الا نتاج عمليات اجتماعية وثقافية تشتغل منذ السنوات الاولى وتحدد للفاعلين ان يسلكوا ويتصرفوا كرجل او كامراة تم ماسستها (أي تمر عن طريق البنينة المؤسساتية والاجتماعية وتاخد ميكانيزمات القاعدة والمعيار الاجتماعي).
وبالتالي فسيرورة انتاج المراة تختلف عن سيرورة انتاج الرجل انطلاقا من التربية،التوجيه وتاطير سولوكاتهم انطلاقا من محددات ومعايير يماسسها المجتمع. بمعنى ليست الطبيعة هى التي جعلت من النساء يخضعن للرجال،النساء يعشن في وضعية الهيمنة لانهن يتعرضن لسيرورة جعلت منهن هكذا. هاته العملية تتجاوز ان تكون فقط فعل طبيعي ، بل هي فعل مؤسساتي ، يشتغل على مستوى اللاوعي،وذلك من خلال معرفة الجسد ، فبمجرد ان يعي الفرد في مراحل متقدمة بانه امراة اورجل،بمجرد مايكون له تصور خاص بجسده يجعله ادا كان ذكرهناك معايير وسلوكات يجب ان يتبعها واذا كانت انثى هناك سلوكات ومعايير اخرى وبالتالي تصبح عملية طبيعية . بمعنى ان ما نسميه معرفة الجسد الذي يترسخ فينا فعمليا هذه العناصر الثقافية التي نستدمجها في وعيينا بجسدنا وفي اللاوعينا فانها تشتغل بشكل مستقل عنا بمعنى بدون ارادتنا الى المستوى الذي نعتبرها بداهة،وهذه العملية هي مايجعل ان البنية قد تكون جامدة وتاخد وقتا طويلا في توجيه سلوكاتنا،بحيث يصبح في وضعية يكون فيها الافراد ضحية ميز.
الهيمنة حسب بورديوه لاتتأسس فقط من خلال الواقع الموضوعي أي أنها لاتوجد فقط كبنيات وممارسات وسلوكات .... وإنما هي مؤطرة إنطلاقا من كيف تبني تصوارتنا للأشياء ، بمعنى أن الهيمنة سواء كانت هيمنة ذكر على أنثى أو هيمنة أبيض على أسود أو هيمنة إثنية على إثنية أخرى ....فهذه الهيمنة تتأسس كمنظور يحدد مسبقا كيف نتمثل الأشياء ، فيصبح بذلك المنظور جزءا منا ، فمثلا رؤية شخصين لموضوع معين تتحدد إنطلاقا مما تكونوا عليه خلال سيرورة تنشئتهم الإجتماعية ، مما يعني أن الهيمنة تتأسس في سيرورة طويلة إنطلاقا من البنيات الثقافية التي يتربى عليها الأفراد.
كما يتحدث بورديو على أن الهيمنة الذكورية أو هيمنة جنس على جنس أخر ليست معطى طبيعي بل هي هيمنة تبنى إجتماعيا من خلال البنيات و التوجيهات الضمنية من داخل الثقافة ؛ الأسطورة ؛ القصة ؛ الدين ...... ويعتبر بورديو أن إشتغال هذه البنيات للتأسيس لهذه الهيمنة يحدد الإستعدادات الفردية لكل طرف وذلك وفق التقسيم الذي ترسخه البنيات وبهذا فحتى الطرف المهيمن عليه يصبح يتصرف ويفكر وفق الطريقة التي صنعه بها المجتمع . لكن هذه البناءات و التقسيمات ليست مطلقة وذلك على إعتبار أنه دائما هناك أشخاص يتصرفون على عكس هذه التوجهات التي يحددها المجتمع وهو مايؤكده بورديو من خلال مفهوم "الهابيتوس" وعندما يكبر عدد هؤلاء المختلفين يتغير المجتمع ويدخل في بنية أخرى وهذا لايحدث إلاعبر فترات زمنية طويلة .
الفكر النقدي لبورديو يذهب الى ماوراء هذه التفاصيل المترتبة عن اكراهات الظاهرة،يسائلها ويسائل كيف تصبح هاته البناءات الجتماعية، وكيف يتم تبريرها اجتماعيا؟ وكيف يتم جعلها طبيعة اجتماعية؟
هذا المسار بالنسبة لبورديو هو من اجل البرهنة على اصالة الانسان . فما يجعل الانسان مختلفا هو اصالته ،بالتالي نقل الانسان من وضعية الطبيعة الى المستوى الرمزي . الانسان كائن اجتماعي ، والاجتماعي متاصل فيه، فطبيعته ترتبط بوعي عميق يتعلق بكل التحولات التي راكمها الى الحد الذي وصل الى اعادة النظر في المحددات التي كان يشتغل بها عقله الجمعي ووعيه الفكري.
خلاصة اطروحة بيير بورديو: ينتمي الاطار النظري للتصور البورديوي الى التقليد البنيوي،اي ان المجتمع تحكمه بنيات اجتماعية مووضوعية مستقلة عن وعي وارادة الفرد.لكنه يعتبر ان الافراد ليسوا مكرهين بالبنيات الموضوعية،هناك علاقة جدلية تعطي للافراد هامشا للفعل، وبالتالي ليس هناك اعادة انتاج اوتوماتيكي للبنيات وهدا الهامش هو ما اشار اليه بمفهوم الهابتوس. فالبنيات هي مستقلة عن الافراد، هي بنيات موضوعية توجد في الواقع الاجتماعي الدي هو واقع موضوعي ولكن مرتبطة مع الافراد من خلال الهابتوس.
فبورديو ينظر الى الهيمنة الذكورية في المجتمع على انها عملية ناتجة بفعا هذه البنيات الموضوعية التي يتم استدماجها انطلاقا من معرفة الجسد ويتم اعتبارها طبيعية في حين انها تمت ماسستها عن طريق فعل البنينة الاجتماعية والمؤسساتية.
اطروحة امانويل كاستلز:
أطروحة كاستلز حول مسألة النوع نجدها ضمن كتابه ” سلطان الهوية " وتحديدا في الفصل الخامس المعنون " بنهاية البطريركية " من الصفحة 164 إلى 194.
ستحاول هده الاطروحة ان تعالج اشكالية النوع انطلاقا من الاسرة البطريركية التي تعتبر بنية اساسية في كل المجتمعات الانسانية، وتتحدد من خلال السلطة المؤسساتية التي يمارسها الرجال على النساء والاطفال.
يتحدث كاستلز خلال هذا الفصل على أن البطريركية هي البنية الأساسية لمختلف المجتمعات الإنسانية ، و البطريركية هي بنية تتعلق بوضعية الأب داخل الأسرة و درجة الهيمنة و السلطة التي يمارسها على الأم و الأطفال ، وهذه الهيمنة عندما تصبح شاملة لجميع الأسر تخترق المجال الإجتماعي و السياسي فتصبح بذلك ممارسة الهيمنة تسري على كل بنيات المجتمع . حيث يصف كاستلز ان الاساس النظري للبطريركية ولهده الهيمنة تتاسس في العائلة من خلال ميكانيزم اساسي وهو انتاج واعادة انتاج النوع الانساني بيولوجيا وسوسيولوجيا.
ويضيف كاستلز في نفس السياق مسألة جوهرية متعلقة بإقتران البنية البطريركية بإنتاج و إعادة إنتاج النوع بمعنى أن النوع الإجتماعي مرتبط بعلاقة أساسية توجد في قلب البطريركية وهي العلاقة الجنسية بين الرجل و المرأة وهذا الإقتران في نظره زكى وقوى هذه الهيمنة ولولاه لكانت ثورة واحدة من الطرف المهيمن عليه داخل هذه العلاقة كافية لتغيير الوضعية و الإنتقال إلى وضعية أخرى إلا أنه رغم كل الحركات و الثورات التي تمت لم تجدي نفعا و لم تحد من علاقات الهيمنة .
وبالتالي ما يعيد دائما ديمومة الهيمنة الذكورية على النساء من داخل بنية الاسرة هو الية اعادة الانتاج،ففي كل مرة يتم تجاوز التغيير الدي تحدثه الثوراة والعودة الى نفس العلاقة بين الجنسين،والتي تتاسس على ان وضع الرجال يجب ان يكون مختلفا ومهيمنا على وضع النساء. فالعائلة البطريركية بالنسبة لكاستلز حجر الزاوية في النظام الاجتماعي اساسه الهيمنة والسلطة المطلقة للاب في الاسرة وفي كافة تمفصلات الحياة الاجتماعية،والتي اساسها الحفاظ على انتاج واعادة انتاج النوع. وبذلك تصير هذه الهيمنة تتجاوز هيمنة الرجال على النساء داخل مؤسسة الأسرة لتشمل كل المجالات و العلاقات بين الأفراد داخل المجتمع . وبالتالي تصبح هذه البنية حسب كاستلز نظاما ثقافيا و إجتماعيا و سياسيا يمتد داخل علاقات الإنتاج و الإستهلاك وكذا مختلف العلاقات داخل التنظيمات و المؤسسات الإجتماعية ، وعلى هذا الأساس تصبح هيمنة الرجال على النساء ثقافة سائدة تتبلور في السلوكات العامة للأفراد و تنتج و يعاد إنتاجها سواء داخل الأسرة أو في المجال العام . وهذه البنية البطريركية ستعيش ضغطا قويا خلال الالفية الثالثة،وسيحاول كاستلز تفسير التحولات الجديدة (اجتماعية، علمية) والتي ستحاول خلخلة هده البنية من خلال الميكانيزم الاساسي الدي ظل هو مربط الفرس في عملية اعادة انتاج الهيمنة وهي الاسرة البطريركية.
وبالتالي فالتغيرات التي تمارس ضغطا على الاسرة او بنية البطريركية تنقسم الى مرحلتين جوهريتين :
تحولات على مستوى عمل المراة.
تحولات على مستوى الوعي الاجتماعي والسياسي للنساء.
وبالتالي هدين التحولين جعلا البنية البطريركية في اغلب المجتمعات تحت ضغط قوي،والقوى القائدة في هدين التغيرين يسيران بموتزاة تحولات كبرى اجتماعية يحددها كاستلز في اربع قوى قائدة :
القوى القائدة الاولى : نمو الاقتصاد المعلوماتي المعولم
القوى القائدة الثانية : التغيرات التكنولوجية
القوى القائدة الثالثة : قوة النضالات النسائية
القوى القائدة الرابعة : وسائل التواصل والاتصال
1) - نمو الاقتصاد المعلوماتي المعولم: اصبح الاقتصاد مرتبط بشكل اساسي بالمعلوميات ماساهم في ولوج المراة سوق الشغل، كدلك السهولة التي اصبح يتم بها التوظيف خارج اقانين التصورات الثقافية.
وهده السهولة في الاشتغال انعكاساتها الاولى هي انه لم تعد مهمة طبيعة الشخص الدي سيتم توظيفه،وهدا ادى الى ولوج اعداد كبيرة من النساء لسوق الشغل.
هده التغيرات على مستوى البنيات ستعطي اوضاع جديدة على مستوى العلاقات بين الافراد.
2)- التغيرات التكنولوجية هده التغيرات تدخلت بشكل قوي على مستوى انتاج واعادة انتاج النوع الانساني.
حيث اخرج التطور التكنولوجي عملية اعادة انتاج النوع من التصور الدي يربطه بمفاهيم الالوهية الى اشياء يمكن التحكم فيها الى اقصى المستويات .(مثلا : التحكم في قرار الانجاب ، اختيار توقيت الانجاب ، اختيار جنس المولود....الخ). هذا تحول الكبير يطرح انعكاسات على مستوى العلاقات بين الجنسين داخل العائلة. فانتاج النوع القائم على العلاقة بين الرجل والمراة اصبح من الممكن مع التكنولوجيات الحديثة، انتاج النوع دون علاقة جنسية، وبالنسبة لكاستلز هده التغيرات اصبحت تعطي قوة للاقليات الجنسية.
3)- قوة النضالات النسائية : ولوج النساء للعمل الماجور باعداد كبيرة رفع من وعيهن، ورفع كدلك من حركتهن النضالية من اجل تحسين ظروف العمل وتحسين الاجر...
هدا ما ادى الى الرفع من وعيهن السياسي والفكري،وادى الى تقوية وضعهن التفاوضي مع الرجال ورفع من مسالة الهيمنة في النقاش الاسري.
وبالتالي اصبحت المراة تدافع عن حقوقها من داخل الاسرة من خلال تقاسم الوظائف والادوار.
وتشكلت حركات نسائية قوية انطلاقا من تجربتهن داخل النقابات والجمعيات السياسية ومن داخل تجربتهن في العمل.
هده الحركات ترجمت بحضور قوي للنساء خاصة في قضايا الجنسانية ، خاصة في الجانب الدي يتعلق بالتمييز الجنسي.
4)-وسائل التواصل والاتصال ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في الانتشار القوي لتجارب النساء الكونية و تلاقح الافكار فيما بينها، وخاصة التجارب التي تروج لنموذج جديد او نماذج جديدة بديلة للاسرة البطريركية اي رجل و مراة.
ويعطي كاستلز في هدا الاطار مثال عن تجربة النساء في تايبيه اللواتي رفضن ان يتكيفن مع الهيمنة البطريركية ، واخترن الانفصال من الارتباط داخل البنية التقليدية (امراة-رجل) والدخول في تجارب مثلية (lesbiane )، وهناك كذلك تجربة (les gays)بسان فرانسيسكو.
كيف يبحثون هؤلاء عن تجارب بديلة انطلاقا من تجاربهم السابقة ؟
ان التغيرات في التفكير وفي اختيارات بعض الاشخاص او المجموعات، تنشر انطلاقا من وسائل الاتصال والتواصل.
المراجع المعتمدة لانجاز هذا المقال :
جون جاك روسو : اللامساواة والعدالة الاجتماعية . ص 28-29
اليكس دوطوكفيل: الديمقراطية والسياسة . ص 144- 145
بيير بورديو : الهيمنة الذكورية 1998
امانويل كاستلز : سلطان الهوية ، 1999.ص 133-227 .
تعليقات
إرسال تعليق